بسم الله الرحمن الرحيم وما أنزلنا على قومه أي قوم الرجل الذي قيل له ادخل الجنة من بعده أي من بعد قتله وقيل من بعد رفعه إلى السماء حيا من جند أي جندا فمن مزيدة لتأكيد النفي وقيل : يجوز أن تكون للتبعيض وهو خلاف الظاهر والجند العسكر لما فيه من الغلظة كأنه من الجند أي الأرض الغليظة التي فيها حجارة والظاهر أن المراد بهذا الجند جند الملائكة أي ما أنزلنا لأهلاكهم ملائكة من السماء وما كنا منزلين .
28 .
- وما صح في حكمتنا أن ننزل الجند لإهلاكهم لما أنا قدرنا لكل شيء سببا حيث أهلكنا بعض من أهلكنا من الأمم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالإغراق وجعلنا إنزال الجند من خصائصك في الإنتصار لك من قومك وكفينا أمر هؤلاء بصيحة ملك صاح بهم فهلكوا كما قال سبحانه : إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون .
29 .
- وفي ذلك استحقار لهم وهلاكهم وإيماء إلى تفخيم شأن النبي صلى الله عليه وسلّم وفسر أبو حيان الجند بما يعم الملائكة فقال : كالحجارة والريح وغير ذلك والمتبادر ما تقدم وقيل : الجند ملائكة الوحي الذين ينزلون على الأنبياء عليهم السلام أي قطعنا عنهم الرسالة حين فعلوا ما فعلوا ولم نعبأ بهم وأهلكناهم وعن الحسن ومجاهد قالا قطع الله تعالى عنهم الرسالة حين قتلوا رسله وهذا التفسير بعيد جدا وقتل الرسل الثلاثة محكي في البحر بقيل وهو ظاهر هذا المروي المعروف أنهم لم يقتلوا وإنما قتل حبيب فقط وذهبت فرقة إلى أن ما في قوله تعالى وما كنا منزلين موصولة معطوفة على جند والمراد ما أنزلنا على قومه من بعده جندا من السماء وما أنزلنا الذي كنا منزليه على الذين من قبلهم من حجارة وريح وغير ذلك .
وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة من في المعرفة ومن هنا قيل الأولى جعلها نكرة موصوفة وأجيب بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ولا يخفى أن هذا لا يدفع بعده ومن أبعد ما يكون قول أبي البقاء : يجوز أن تكون ما زائدة أي وقد كنا منزلين على غيرهم جندا من السماء بل هو ليس بشيء وإن نافية وكان ناقصة واسمها مضمر و صيحة خبرها أي ما كانت هي أي إلا خذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة روي أن الله تعالى بعث عليهم جبريل عليه السلام حتى أخذ بعضادتي باب المدينة فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا جميعا وإذا فجائية وفيها إشارة إلى سرعة هلاكهم بحيث كان مع الصيحة وقد شبهوا بالنار على سبيل الإستعارة المكنية والخمود تخييل وفي ذلك رمز إلى أن الحي كشعلة النار والميت كالرماد كما قال لبيد : وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ويجوز أن تكون الإستعارة تصريحية تبعية في الخمود بمعنى البرودة والسكون لأن الروح لفزعها عند الصيحة تندفع إلى الباطن دفعة واحدة ثم تنحصر فتنطفيء الحرارة الغريزية لانحصارها ولعل في العدول عن