أمرتم بقتلهم وقرأ حمزة والكسائيولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم فأقتلوهم وأعترض الأعمش على حمزة في هذه القراءة فقال له : أرأيت قراءتك إذا صار الرجل مقتولا فبعد ذلك كيف يصير قاتلا لغيره فقال حمزة إن العرب إذا قتل منهم رجل قالوا : قتلنا وإذا ضرب منهم الرجل قالوا : ضربنا وحاصله أن الكلام على حذف المضاف إلى المفعول وهو لفظ بعض فلا يلزم كون المقتول قاتلا وأما إسناد الفعل إلى الضمير فمبني على أن الفعل الواقع من البعض برضا البعض الآخر بسند إلى الكل على التجوز في الإسناد فلا حاجة فيه إلى التقدير ولذا أكتفى الأعمش في السؤال بجانب المفعول وكذا قوله سبحانه : ولا تقتلوهم جاز على حقيقة من غير تأويل لأن المعنى على السلب الكلي أي لا يقتل واحد منكم واحدا منهم حتى يقع منهم قتل بعضهم .
ثم إن هذا التأويل مختص بهذه القراءة ولا حاجة إليه فيلا تقاتلوهملأن المعنى لا تفاتحوهم والمفاتحة لا تكون إلا بشروع البعض بقتال البعض قاله بعض المحققين وقد خفى على بعض الناظرين فتدبر كذلك جزآء الكافرين 191 تذييل لما قبله أي يفعل بهم مثل ما فعلوا و الكافرين إما من وضع المظهر موضع المضمر نعيا عليهم بالكفر أو المراد منه الجنس ويدخل المذكورون فيه دخولا أوليا والجار في المشهور خبر مقدم وما بعده مبتدأ مؤخر وأختار أبو البقاء أن الكاف بمعنى مثل مبتدأ وجزاء خبره إذ لا وجه للتقديم فإن إنتهوا عن الكفر بالتوبة منه كما روى عن مجاهد وغيره أو عنه وعن القتال كما قيل : لقرينة ذكر الأمرين فإن الله غفور رحيم 291 فيغفر لهم ما قد سلف وأستدل به في البحر على قبول توبة قاتل العمد إذ كان الكفر أعظم مأثما من القتل وقد أخبر سبحانه أنه يقبل التوبة منه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة عطف على قاتلوا الذين يقاتلونكم والأول مسوق لوجوب أصل القتال وهذا لبيان غايته والمراد من الفتنة الشرك على ما هو المأثور عن قتادة والسدي وغيرهما ويؤيده أن مشركي العرب ليس في حقهم إلا الإسلام أو السيف لقوله سبحانه تقاتلونهم أو يسلمون ويكون الدين لله أي خالصا له كما يشعر به اللام ولم يجيء هنا كلمةكلهكما في آية الأنفال لأن ما هنا في مشركي العرب وما هناك في الكفار عموما فناسب العموم هناك وتركه هنا فإن إنتهوا تصريح بمفهوم الغاية فالمتعلق الشركوالفاءللتعقيب فلا عدوان إلا على الظالمين 391 علة للجزاء المحذوف أقيمت مقامه والتقدير فإن إنتهوا وأسلموافلا تعتدواعليهم لأن العدوان على الظالمين والمنتهون ليسوا بظالمين والمراد نفي الحسن والجواز لا نفي الوقوع لأن العدوان واقع على غير الظالمين والمراد من العدوان العقوبة بالقتل ومسى القتل عدوانا من حيث كان عقوبةللعدوانوهو الظلم كما في قوله تعالى : فمن أعتدى عليكم فأعتدوا عليه وجزاء سيئة سيئة مثلها وحسن ذلك لأزدواج الكلام والمزاوجة هنا معنوية ويمكن أن يقال سمى جزاء الظلم ظلما لأنه وإن كان عدلا من المجازي لكنه ظلم في حق الظالم من عند نفسه لأنه ظلم بالسبب لإلحاق هذا الجزاء به وقيل : لا حذف والمذكور هو الجزاء على معنى فلا تعتدوا على المنتهين إما بجعل فلا عدوان إلا على الظالمين بمعنىفلا عدوان على غير الظالمينالمكنى به عن المنتهين أو جعل إختصاص العدوان بالظالمين كناية عن عدم جواز العدوان على غيرهم وهم المنتهون وأعترض بأنه على التقدير الأول يصير الحكم الثبوتي المستفاد من القصر زائدا وعلى التقدير الثاني يصير المكنى عنه من المكنى به وجوز أن يكون المذكور هو الجزاء