ومعنى الظالمين المتجاوزين عن حد حكم القتال كأنه قيل : فإن إنتهوا عن الشرك فلا عدوان إلا على المتجاوزين عما حده الله تعالى للقتال وهم المتعرضون للمنتهين ويؤل المعنى إلى أنكم إن تعرضتم للمتقين صرتم ظالمين وتنعكس الحال عليكموفيه من المبالغة في النهي عن قتال المنتهين ما لا يخفىوذهب بعضهم إلى أن هذا المعنى يستدعي حذف الجزاء وجعل المذكور علة له على معنى فإن إنتهوا فلا تتعرضوهم لئلا تكونوا ظالمين فيسلط الله عليكم من يعدوا عليكم لأنالعدوانلا يكون إلا على الظالمين أو فإن إنتهوا يسلط عليكم من يعدوا عليكم على تقدير تعرضكم لهم لصيرورتكم ظالمين بذلك وفيه من البعد ما لا يخفى فتدبر .
الشهر الحرام بالشهر الحرام قاتلهم المشركون عام الحديبية في ذي القعدة قتالا خفيفا بالرمي بالسهام والحجارة فأتفق خروجهم لعمرة القضاء فيه فكرهوا أن يقاتلوهم لحرمته فقيل : هذا الشهر الحرام بذلك وهتكه بهتكه فلا تبالوا به والحرمات قصاص أي الأمور التي يجب أن يحافظ عليها ذوات قصاص أو مقاصة وهو متضمن لإقامة الحجة على الحكم السابق كأنه قيل : لا تبالوا بدخولكم عليه عنوة وهتك حرمة هذا الشهر إبتداءا بالغلبة فإن الحرمات يجري فيهاالقصاصفالصد قصاصه العنوة فإن قاتلوكم فأقتلوهم فمن أعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم فذلكة لما تقدمه وهو أخص مفادا منه لأن الأول يشمل ما إذا هتك حرمة الإحرام والصيد والحشيش مثلا بخلاف هذا وفيه تأكيد لقوله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام ولا ينافي ذلك فذلكيته معطوفابالفاءوالأمر للإباحةإذ العفو جائزو من تحتمل الشرطية والموصولية وعلى الثاني تكونالفاءصلة في الخبروالباءتحتم الزيادة وعدمها وأستدل الشافعي بالآية على أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به من محدد أو خنق أو حرق أو تجويع أو تغريق حتى لو ألقاه في ماء عذب لم يلق في ماء ملح : وأستدل بها أيضا على أن من غصب شيئا وأتلفه يلزمه رد مثله ثم إن المثل قد يكون من طريق الصورة كما في ذوات الأمثالوقد يكون من طريق المعنى كالقيم فيما لا مثل له وأتقوا الله في الإنتصار لأنفسكم وترك الإعتداء بما لم يرخص لكم فيه وأعلموا أن الله مع المتقين 491 بالنصر والعون وأنفقوا في سبيل الله عطف على قاتلوا أي وليكن منكم إنفاق ما في سبيله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بترك الغزو والإنفاق فيه فهو متعلق بمجموع المعطوف والمعطوف عليه نهيا عن ضدهما تأكيدا لهما ويؤيد ذلك ما أخرجه غير واحدعن أبي عمرانقال : كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم فحمل رجل من المسلمين حتى دخل فيهم فقال الناس : ألقى بيديه إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : أيها الناس إنكم تؤولون هذه الآية هذا التأويل وإنما نزلت فينا معاشر الأنصار إنا لما أعز الله تعالى دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت وإن الله تعالى قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ما يرد علينا ما قلنا وأنفقوا إلخ فكانت التهلكة إلاقامة في الأموال وإصلاحها وترك الغزو وقال الجبائي : التهلكة الإسراف في الإنفاق فالمراد بالآية النهي عنه بعد الأمر بالإنفاق تحريا للطريق الوسط