ماما وعدوا والكذب كما يتطرق إلى الكلام باعتبار منطوقه يتطرق اليه باعتبار ما يلزم مدلوله وفي الانتصاف أن في قوله تعالى : إنهم لكاذبون نكتة حسنة يستدل بها على صحة مجيء الأمر بمعنى الخبر فان من الناس من أنكره والتزم تخريج جميع ما ورد في ذلك على أصل الأمر ولم يتم له ذلك في هذه الآية لأنه سبحانه أردف قولهم ولنحمل خطاياكم على صيغة الأمر بقوله تعالى : إنهم لكاذبون والتكذيب إنما يتطرق إلى الاخبار انتهى ويعلم منه وجه كونهم كاذبين في قولهم ذلك مع إخراجهم له مخرج الامر إلا أن في كون الآية دليلا على ما ذكره نظرا كما لا يخفى .
وليحملن أثقالهم بيان لما يستتبعه قولهم ذلك في الآخرة من المضرة لأنفسهم بعد بيان عدم منفعته لمخاطبتهم أصلا والتعبير عن الخطايا بالأثقال للايذان بغاية ثقلها وكونها فادحة واللام واقعة في جواب قسم محذوف أي وبالله ليحملن أثقال أنفسهم كاملة وأثقالا أخر مع أثقالهم وهي أثقال ما تسببوا بالاضلال والحمل على الكفر والمعاصي من غير أن ينقص من أثقال من أضلوه شيء ما فقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه وعمل به فله مثل أجور الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليها وعمل بها فعليه مثل أوزار الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا قال عون : وكان الحسن يقرأ عليها وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وللاشارة إلى استقلال أثقال أنفسهم وأنها نهضتهم واستفرغت جهدهم وأن الاثقال الأخر كالعلاوة عليها اختير ما في النظم الجليل على أن يقال وليحملن أثقالا مع أثقالهم .
وليسئلن يوم القيامة سؤال تقريع وتبكيت عما كانوا يفترون .
31 .
- أي يختلقونه في الدنيا من الأكاذيب والأباطيل التي من جملتها كذبهم هذا .
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما شروع في بيان إفتتان الانبياء عليهم السلام بأذية أممهم إثر بيان افتتان المؤمنين بأذية الكفار تأكيدا للانكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الايمان بلا ابتلاء وحثا لهم على الصبر فان الانبياء عليهم السلام حيث ابتلوا بما أصابهم من جهة أممهم من فنون المكاره وصبروا عليها فلأن يصبر هؤلاء المؤمنون أولى وأحرى والظاهر أن الواو للعطف وهو من عطف القصة على القصة قال ابن عطية : والقسم فيها بعيد يعني أن يكون المقسم به قد حذف وبقي حرفه وجوابه فان فيه حذف المجرور وإبقاء الجار وهم قالوا : لابد من ذكر المجرور والفاء للتعقيب فالمتبادر أنه عليه السلام لبث في قومه عقيب الارسال المدة المذكورة وقد جاء مصرحا به في بعض الآثار .
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : بعث الله تعالى نوحا عليه السلام وهو ابن أربعين سنة ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وعلى هذه الرواية يكون عمره عليه السلام ألف سنة وخمسين سنة وقيل : إنه عليه السلام عمر أكثر من ذلك أخرج ابن جرير عن عون بن أبي شداد قال : إن الله تعالى أرسل نوحا عليه السلام إلى قومه وهو أبن خمسين وثلثمائة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين