الفعل على هذه القراءة متعديا لأثنين والثاني هنا محذوف أي فليعلمن الله الذين صدقوا منازلهم من الثواب وليعلمن الكاذبين منازلهم من العقاب وذلك في الآخرة أو الاول محذوف أي فليعلمن الله الناس الذين صدقوا وليعلمنهم الكاذبين أي يشهدهم هؤلاء في الخير وهؤلاء في الشر والظاهر أن ذلك في الآخرة أيضا وقال أبو حيان : في الدنيا والآخرة وجوز أن يكون ذلك من الاعلام وهو وضع العلامة والسمة فيتعدى لواحد أو يسمهم بعلامة يعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها وقيل : يسمهم سبحانه بعلامة يعرفون بها في الدنيا كقوله E : من أسر سريرة ألبسه الله تعالى رداءها وقرأ الزهري الفعل الاول كما قرأ الجماعة والفعل الثاني كما قرأ علي كرم الله تعالى وجهه وجعفر والزهري رضي الله تعالى عنهم أم حسب الذين يعملون السيآت أن يسبقونا قال مجاهد : أي يعجزونا فلا نقدر على مجازاتهم على أعمالهم والانتقام منهم وأصل السبق الفوت ثم أريد منه ما ذكر وقيل : أي يعجلونا محتوم القضاء والأول أولى .
وفسر قتادة ما أخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير السيئات بالشرك والجمع باعتبار تعدد المتصفين به وإطلاق العمل على الشرك سواء قلنا إنه ما كان عن فكر وروية كما قيل : أو عن قصد كما قال الراغب : أم لا لاضير فيه لأنه يكون بعبادة الأصنام وغيرها وقيل : المراد بالسيئات المعاصي غير الكفر فالآية في المؤمنين قطعا وهم وإن لم يحسبوا أن يفوتوه تعالى ولم تطمع نفوسهم في ذلك لكن نزل جريهم على غير موجب العلم وهو غفلتهم وإصرارهم على المعاصي منزلة من لم يتيقن الجزاء ويحسب أنه يفوت الله D .
وعمم بعضهم فحمل السيئات على الكفر والمعاصي وتعليق العمل بها بناء على تسليم تخصيصه بما سمعت يحتمل أن يكون باعتبار التغليب وظاهر الآثار يدل على أن هذه الآية نزلت في شأن الكفرة فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : يريد سبحانه بالذين يعملون السيئات الوليد بن المغيرة وأبا جهل والاسود والعاصي بن هشام وشيبة وعتبة والوليد بن عتبة وعتبة بن أبي معيط وحنظلة بن وائل وأنظارهم من صناديد قريش وفي البحر أن الآية وإن نزلت على سبب فهي تعم جميع من يعمل السيئات من كافر ومسلم والظاهر أن أم منقطعة بمعنى بل التي للاضراب بمعنى الانتقال وهو انتقال من إنكار حسبان عدم الفتن لمجرد الايمان إلى انكار حسبان عدم المجازاة على عمل السيئات .
وقال ابن عطية : أم معادلة للهمزة في قوله تعالى : أحسب وكأنه سبحانه قرر الفريقين قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات في تعذيب المؤمنين وغير ذلك على ظنهم أنه يسبقون نقمات الله تعالى ويعجزونه انتهى ورد بأنها لو كانت معادلة للهمزة لكانت متصلة والتالي باطل لأن شرط المتصلة أن يكون ما بعدها مفردا نحو أزيد قائم أم عمرو أو ما هو في تقدير المفرد نحو أقام زيد أم قعد وجوابها تعيين أحد الشيئين أو الأشياء وبعدها هنا جملة ولا يمكن الجواب هنا أيضا بأحد الشيئين فالحق أنها منقطعة والاستفهام الذي تشعر به إنكاري لا يحتاج للجواب كما لا يخفى والظاهر أن الحسبان متعد إلى مفعولين وأن أن يسبقونا ساد مسهما .
وجوز الزمخشري هنا أن يضمن معنى التقدير يكون متعديا لواحد وإن يسبقونا هو ذلك الواحد