فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله تعالى فيهم ثم ان ربكللذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال سمعت ابن عمير وغيره يقولون : كان أبو جهل يعذب عمار بن ياسر وأمه ويجعل على عمار درعا من حديد في اليوم الصائف وطعن في فرج أمه برمح ففي ذلك نزلت أحسب الناس الخ وقيل : نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب قتل ببدر فجزع عليه أبواه وأمرأته وقال فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة وقيل : نزلت في عياش أخي أبي جهل غدر وعذب ليرتد كما سيأتي خبره إن شاء الله تعالى وفسر الناس بمن نزلت فيهم الآية وقال الحسن الناس هنا المنافقون .
ولقد فتنا الذين من قبلهم حال من الناس أو من ضمير يفتنون وعلى الأول يكون علة لإنكار الحسبان أي أحسبوا ذلك وقد علموا أن سنة الله تعالى على خلافه ولن تجد لسنة الله تعالى تبديلا وعلى الثاني بيانا لأنه لا وجه لتخصيصهم بعدم الافتتان وحاصله أنه على الاول تنبيه على الخطأ وعلى الثاني تخطئة والمراد بالذين من قبلهم المؤمنون أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أصابهم من ضروب الفتن والمحن ما أصابهم فصبروا وعضوا على دينهم بالنواجذ كما يعرب عنه قوله تعالى : وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا الآيات .
وروى البخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ولقد لقينا من المشركين شدة فقلنا : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظه ما يصده عن دينه فليعلمن الله الذين صدقوا أي في قولهم آمنا وليعلمن الكاذبين في ذلك والتفاء لترتيب ما بعدها على ما يفصح عنه ما قبلها من وقوع الامتحان واللام واقعة في جواب القسم والالتفات الى الاسم الجليل لادخال الروعة وتربية المهابة وتكرير الجواب لزيادة التأكيد والتقرير ويتوهم من الآية حدوث علمه تعالى بالحوادث وهو باطل وأجيب بأن الحادث تعلق علمه بالمعدوم بعد حدوثه وقال ابن المنير : الحق أن علم الله تعالى واحد يتعلق بالموجود زمان وجوده وقبله وبعده على ما هو عليه وفائدة ذكر العلم ههنا وإن كان سابقا على وجود المعلوم التنبيه بالسبب على المسبب وهو الجزاء فكأنه قيل : فوالله ليعلمن بما يشبه الامتحان والاختبار الذين صدقوا في الايمان الذي أظهروه والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب فليجازين كلا بحسب علمه فيه وفي معناه ما قاله ابن جني : من أنه من إقامة السبب مقام المسبب والغرض فيه ليكافئن الله تعالى الذين صدقوا وليكافئن الكاذبين وذلك أن المكافأة على الشيء إنما هي مسببة عن علم وقال محيي السنة : أي فليظهرن الله تعالى الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلوما لأن الله تعالى عالم بهم قبل الاختبار .
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وجعفر بن محمد والرهري رضي الله تعالى عنهم فلعلمن بضم الياء وكسر اللام على أنه مضارع أعلم المنقولة بهمزة التعدية من علم المتعدية إلى واحد وهي التي بمعنى عرف فيكون