تلك الجملة خبرا ونحوه كقولك : زيد هل قام أبوه فلو قيل هنا المعنى المتلو عليك أحسب الناس إلى آخر السورة صح فلا يقال أيضا إن المانع منه عدم الصحة ارتباطه بما قبله معنى نعم الارتباط خلاف الظاهر والاستفهام للانكار والحسبان مصدر كالغفران مما يتعلق بمضامين الجمل لأنه من الافعال الداخلة على المبتدأ والخبر وذلك للدلالة على وجه ثبوتها في الذهن أو في الخارج من كونها مظنونة أو متيقنة فتقتضي مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر أو مايسد مسدهما وقد سد مسدهما هنا على ما قاله الحوفي وابن عطية وأبو البقاء : قوله تعالى : أن يتركوا وسد أن المصدرية الناصبة للفعل مع مدخولها مسد الجزأين مما قاله ابن مالك ونقله عنه الدماميني في شرح التسهيل وزعم بعضهم أن ذلك إنما هو في أن المفتوحة مشددة ومثقلة مع مدخولها والترك هنا على ماذكره الزمخشري بمعنى التصيير المتعدي لمفعولين كما في قوله تعالى : تركهم في ظلمات لا يبصرون وقول الشاعر : فتركته جزر السباع ينشنه يقضمن قلة رأسه والمعصم فضمير الجمع نائب مفعول أول والمفعول الثاني متروك بدلالة الحال الآتية أي كما هم أو على ما هم عليه كما في قوله تعالى : أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا على ما قدره الزمخشري فيه وقوله سبحانه : أن يقولوا آمنا بمعنى لأن يقولوا متعلق بيتركوا على أنه غير مستقر وقوله تعالى : وهم لا يفتنون .
2 .
- في موضع الحال من ضمير يتركوا ويجوز أن لا يعتبر كون المفعول الثاني ليتركوا متروكا بل تجعل هذه الجملة الحالية سادة مسده ألا ترى أنك لو قلت : علمت ضربي زيدا قائما صح على أن ترك ليس كأفعال القلوب في جميع الاحكام بل القياس أن يجوز الاكتفاء فيه بالحال من غير نظر إلى أنه قائم مقام الثاني لأن قولك : تركته جزر السباع كلام صحيح كما تقول أبقيته على هذه الحالة وهو نظير سمعته يتحدث في أنه يتم الحال بعده أو الوصف وههنا زاد أنه يتم أيضا بما يجري مجرى الخبر وجوز أن تكون هذه الجملة هي المفعول الثاني لا سادة مسده وتوسط الواو بين المفعولين جائز كما في قوله : وصيرني هواك وبي لحيني يضرب المثل وقد نص شارح أبيات المفصل على أنه حكي عن الاخفش أنه كان يجوز كان زيد وأبوه قائم على نقصان كان وجعل الجملة خبرا مع الواو تشبيها لخبر كان بالحال في الخبر عنده فليجز في المفعول الثاني وهو كما نرى واستظهر الطيبي كون الترك هنا متعديا لواحد على أنه بمعنى التخلية وليس بذاك وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون أن يقولوا بدلا من أن يتركوا وجوز أن يكون أن يتركوا هو المفعول الأول لحسب و هم لا يفتنون في موضع الحال من الضمير وان يقولوا بتقدير اللام هو المفعول الثاني وكونه علة لا ينافي ذلك كما في قولك : حسبت ضربه للتأديب والتقدير أحسب الناس تركهم غير مفتونين لقولهم : آمنا والمفعول الثاني ليتركوا متروك بدلالة الحال واعترضه صاحب التقريب بما حاصله أن الحسبان لتعلقه بمضامين الجمل إذا أنكروا يكون باعتبار المفعول الثاني فاذا قلت : أحسبته قائا فالمنكر حسبان قيامه كذلك إذا قيل : أحسب الناس تركهم غير مفتونين لهذه العلة بل إنما هو لعلة أخرى ولا يلائم سبب النزول ولا مقصود الآية .
واختار أن يكون أن يتركوا سادا مسد المفعولين و أن يقولوا علة للحسبان أي أحسبوا لقولهم آمنا