وقريبوقريب من هذا ما قيل : المعنى كل ما يطلق عليه الموجود معدوم في حد ذاته إلا ذاته تعالى وقيل : الوجه بمعنى الذات إلا أن المراد ذات الشيء وإضافته إلى ضميره تعالى باعتبار أنه مخلوق له سبحانه نظير ما قيل في قوله تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما نفسك من أن المراد بالنفس الثاني نفس عيسى عليه السلام وإضافته اليه تعالى باعتبار أنه مخلوق له جل وعلا والمعنى كل شيء قابل للهلاك والعدم إلا الذات من حيث استقبالها لربها ووقوفها في محراب قربها فانها في تلك الحيثية لا تقبل العدم وقيل : الوجه بمعنى الجهة التي تقصد ويتوجه اليها والمعنى كل شيء معدوم في حد ذاته إلا الجهة المنسوبة اليه تعالى وهو الوجود الذي صار به موجودا وحاصله أن كل جهات الموجود من ذأته وصفاته وأحواله هالكة معدومة في حد ذاتها إلا الوجود الدي هو النور الإلهي ومن الناس من جعل ضمير وجهه للشيء وفسر الشيء بالموجود بمعنى ماله نسبة إلى حضرة الوجود الحقيقي القائم بذاته وهو عين الواجب سبحانه وفسر الوجه بهذا الوجود لأن الموجود يتجه اليه وينسب والمعنى كل منسوب إلى الوجود معدوم إلا وجهه الذي قصده وتوجه اليه وهو الوجود الحقيقي القائم بذاته الذي هو عين الوجب جل وعلا ولا يخفى الغث والسمين من هذه الأقوال وعليها كلها يدخل العرش والكرسي والسموات والارض والجنة والنار ونحو ذلك العموم .
وقال غير واحد : المراد بالهلاك خروج الشيء عن الانتفاع به المقصود منه إما بتفرق أجزائه أو نحوه والمعنى كل شيء سيهلك ويخرج عن الانتفاع به المقصود منه إلا ذاته D والظاهر أنه أراد بالشيء الموجود المطلق لا الموجود وقت النزول فقط فيؤول المعنى الى قولنا : كل موجود في وقت من الاوقات سيهلك بعد وجوده إلا ذاته تعالى فيدل ظاهر الآية على هلاك العرش والجنة والنار والذي دل عليه الدليل عدم هلاك الأخيرين .
وجاء في الخبر أن الجنة سقفها عرش الرحمن ولهذا اعترض بهذه الآية على القائلين بوجود الجنة والنار الآن والمنكرين له القائلين بأنهما سيوجدان يوم الجزاء ويستمران أبد الآباد واختلفوا في الجواب عن ذلك فمنهم من قال : إن كلا ليست للاحاطة بل للتكثير كما في قولك : كل الناس جاء إلا زيدا إذا جاء أكثرهم دون زيد وأيد بما روي عن الضحاك أنه قال في الآية : كل شيء هالك إلا الله D والعرش والجنة والنار ومنهم من قال : إن المراد بالهلاك الموت والعموم باعتبار الإحياء الموجودين في الدنيا وأيد بما روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية : كل حي ميت إلا وجهه .
وأخرج عنه ابن مردويه أنه قال : لما نزلت كل نفس ذائقة الموت قيل يا رسول الله فما بال الملائكة فنزلت كل شيء هالك إلا وجهه فبين في هذه الآية فناء الملائكة والثقلين من الجن والإنس وسائر عالم الله تعالى وبريته من الطير والوحوش والسباع والأنعام وكل ذي روح أنه هالك ميت وأنت تعلم أن تخصيص الشيء بالحي الموجود في الدنيا لا بدله من قرينة فان اعتبر كونه محكوما عليه بالهلاك حيث شاع استعماله في الموت وهو إنما يكون في الدنيا قرينة فذاك وإلا فهو كما ترى ومن الناس من التزم ما يقتضيه ظاهر العموم من أنه كل ما يوجد في وقت من الأوقات في الدنيا والأخرى يصير هالكا بعد وجوده بناء على تجدد الجواهر وعدم بقاء شيء منها زمانين كالاعراض عند الاشعري ولا يخفى بطلانه وإن ذهب إلى ذلك بعض أكابر الصوفية قدست أسرارهم