وهو محل النزاع ودفع بأن المتبادر من جعل الدار كائنة لزيد تمكينه وعدم منعه من التمكن فيها سواء حصل له التمكن فيها أو لم يحصل فمعنى نجعلها للذين الخ نمكنهم في الاستقبال من التمكن فيها ولا يخفى ركاكته لأن التمكين من التمكن فيها لازم لوجودها غير منفك عنها على ما يدل عليه قوله تعالى : أعدت للمتقين فلا يمكن أن تكون نفس الجنة الآن ويكون جعلها كائنة لهم في الاستقبال وحمل الجعل على التمكن بالفعل والتمكين من التمكن وإن كان لازما لوجود الجنة لكن التمكن فيها بالفعل غير لازم بل يكون فيما سيجيء عدول عن المتبادر فان المتبادر من قولك : جعلت الدار لزيد تمكينه من التمكن فيها لا جعل زيد متمكنا فيها بالفعل فتدبر ذلك كله من جاء بالحسنة فله بمقابلتها خير منها ذاتا ووصفا وقدرا على ما قيل وجوز كون خير واحد الخيور وليس بأفعل التفضيل و من سببية أي فله خير بسبب فعلها وهو خلاف الظاهر وقد تقدم الكلام في ذلك ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات وضع فيه الموصول والظاهر موضع الضمير لتهجين حال المسيئين بتكرير اسناد السيئة اليهم وفي جمع السيئات دون الحسنة قبل اشارة إلى قلة المحسنين وكثرة المسيئين وقد يقال : إنه إشارة إلى أن ضم السيئة إلى السيئة لا يزيد جزاءها بل جزاؤها إذا انفردت مثل جزائها إذا انضم اليها غيرها وأن عدم ضم الحسنة إلى الحسنة لا يؤثر في مقابلتها بما هو خير منها ولعل قلة المحسنين يفهم من عدم اعتبار الجمعية في من في قوله تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها وكثرة المسيئين تفهم من اعتبار الجمعية فيها إذ الموصول قائم مقام ضميرها في قوله تعالى : ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون أي إلا مثل ما كانوا يعملون فحذف المثل وأقيم مقامه ما كانوا يعملون مبالغة في المماثلة وهذا لطف منه D إذ ضاعف الحسنة ولم يرض بزيادة جزاء السيئة مقدار ذرة وقيل : لا حاجة الى اعتبار المضاف فان اعمالهم أنفسها تظهر يوم القيامة في صورة ما يعذبون به ولا يخفى ما فيه وفي ذكر عملوا ثانيا دون جاؤا اشارة إلى أن ما يجزون عليه ما كان عن قصد لأن العمل يخصه كما قال الراغب وفي التفسير الكبير للامام الرازي في أثناء الكلام على تفسير قوله تعالى : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم الآية أن في التعبير بجاء دون عمل بأن يقال : من عمل الحسنة فله خير منها ومن عمل السيئة الخ دلالة على أن استحقاق الثواب أي والعقاب مستفاد من الخاتمة لا من أول العمل ويؤكد ذلك أنه لو مضى عمره في الكفر ثم أسلم في آخر الأمر كان من أهل الثواب وبالضد ولا يخلو عن حسن ولعل نكتة التعبير بعملوا ثانيا تتأتى عليه أيضا .
وفي قوله تعالى : فلا يجزى الخ دون فللذين عملوا السيئات ما كانوا يعملون أو فما للذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون اشارة إلى أنه قد يحصل العفو عن العقاب ولله تعالى در التنزيل ما أكثر أسراره واستشكل ما تدل عليه الآية من أن جزاء السيئة مثلها بأن من كفر فمات على الكفر يعذب عذاب الأبد وأين هو من كفر ساعة وأجيب بأن أمر المماثلة مجهول لنا لا سيما على القول بنفي الحسن والقبح العقليين للافعال وقصارى ما نعلم أن الله تعالى جعل لكل ذنب جزاء أخبر D أنه مماثل له وقد أخبر سبحانه أن جزاء الكفر عذاب الأبد فنؤمن به وبأنه مما تقتضيه الحكمة وما علينا إذا لم نعلم جهة المماثلة ووجه الحكمة فيه وكذا يقال في الذنوب التي شرع الله تعالى لها حدودا في الدنيا كالزنا وشرب الخمر وقذف المحصن وحدودها التي شرعها جل شأنه لها