بكتمانهبكتمانه وصيانته والاحتراس من إذاعته واضاعته ولذا ترى الحكماء قد الغزوه نهاية الالغاز وأعمضوه غاية الاغماض حتى عد كلامهم من لم يعرف مرامهم حديث خرافة وحكم على قائله بالسفه والسخافة وبهذا الكتم حفظت حكمة الله تعالى التي زعمها ابن خلدون في النقدين وسقط استدلاله الذي سمعه فيما مر .
وقد نص جابر بن حيان وهو أمام في هذه الصنعةوإنكار أنه كان موجودا حمق في كتابه سر الاسرار على ما قلنا حيث قال : كل حكيم وضع رمزه وكتابه على معنى مبهم من وضع الحل والاصعاد والغسل على اربع طبائع وسماها الاجساد الثقال ووصف التدابير على لفظ ومعنى مشتبه فهو عند الحكيم مفتوح وعند الجهلة مغلق وربما تعدوا إلى أخذ تلك الأجساد بعينها واختبروها ولم ينتفعوا بها وشتموا الحكماء على كتمانهم هذا العمل وإنما عمارة الدنيا بالدراهم والدنانير وأن الناس الصناع والمقاتلة لا يعملون إلا لرغبة أو رهبة فعلموا أنهم إن أفشوا هذا السر حتى يعلمه كل أحد لم يتم أمر الدنيا وخربت ولم يعمل أحد لأحد فخرجوا من ذلك وكتموه اه ثم لا يخفى أن ماذكره ابن خلدون اولا أن من الاستحالة لعدم الاحاطة إذا ثبت أنها كانت عن وحي ليس بشيء على أن فيه ما فيه وإن لم يثبت ذلك ومثل ذلك ما ذكره من أن الطبيعة لا تترك أقرب الطرق في أفعالها وترتكب الأبعد لأنا نقول ما يحصل من الطبائع أيضا فيكون لها طريقان بعيد اقتضت الحكمة أن تسلكه غالبا وقريب اقتضت الحكمة أيضا أن تسلكه نادرا بواسطة من شاء الله تعالى من عباده وكون المنتحلين لم يزالوا يخبطون خبط عشواء إن أراد بهم أئمة هذه الصناعة كهرمس وسقراط وإفلاطون واغاريمون وفيثاغورس وهرقل وفرفوريوس ومارية وذوسيموس واورس وذومقراط وسفيدوس وبليناس ومهراريس وجابر بن حيان والمجريطي وأبو بكر بن وحشية ومحمد بن زكريا الرازي وغيرهم مما لا يحصون كثرة فهم لم يخبطوا ودون اثبات خبطهم خرط القتاد والغازهم لنكتة صرحوا بها لا يدل على خبطهم وإن أراد بهم من يتعاطاها من المشاقين في عصره وفي هذه الأعصار فما ذكره مسلم في أكثرهم وهو لا يطعن في إمكانها وقد ذم الطغرائي هذا الصنف من الناس في كتابه تراكيب الأنوار : إن المعلم الناصح موجود في كل صنعة إلا في هذا الفن وكيف يرجى النصح عند قوم يسمون فيما بينهم بالحسدة وتحالفوا فيما بينهم أن لا يوضحوا هذه السرائر أبدا لا سيما في هذا الزمان الذي قد باد فيه هذا العلم جملة وصار المتعرض له والباحث عنه عند الناس مسخرة وقد عنيت برهة من الزمان أبحث عن كل من يظن ان عنده طرفا من هذا العلم فما وجدت أحدا شم له رائحة ولا عرف منه شطر كلمة ووجدت منتحلي هذه الصنعة الشريفة بين مخادع يبيع دينه ومروءته بعرض من الدنيا قليل ويتلف أموال الناس بالتجارب الصادرة عن الجهل وبين مخدوع مأخوذ عن رشده بالأمل الخائب والطمع الكاذب والتشاغل بالباطل عن طلب المعاش الجميل والتعويل على الاماني والأكاذيب قصارى أحدهم أن ينظر في كتب جابر وأضرابه فيأخذ بظواهر كلامهم ويغتر بجلايا دعاويهم دون حقائق معانيهم وهم وجميع من مضى من حكماء هذه الصنعة يحذرون الناس من الاغترار بظواهر كتبهم وينادون على أنفسهم بأنهم يرمزون ويلغزون و لا يلتفت الى قولهم ولا يصدقون الى آخر ما قال وقد تفاقم الأمر في زماننا إلى ما لا تتسع العبارة لشرحه وكون الكيمياء من تأثيرات النفوس وخوارق العادات فلا تكون إلا معجزة أو