الاستحالة فيها لاستحالة فيه من جهة الفصول ولا من جهة الطبيعة وإنما هي من تعذر الاحاطة وقصور البشر عنها وما ذكره ابن سينا بمعزل عن ذلك ولذلك وجه آخر في الاستحالة من جهة غايته وهو أن حكمة الله تعالى في الحجرين وندرتهما أنهما عمدتا مكاسب الناس ومتمولاتهم فلو حصل عليها بالصنعة لبطلت حكمة الله تعالى في ذلك إذ يكثر وجودهما حتى لا يحصل أحد من اقتنائهما على شيء وآخر أيضا وهو أن الطبيعة لا تترك اقرب الطرق في أفعالها وترتكب الأبعد فلو كان هذا الطريق الصناعي الذي يزعمون صحته وأنه أقرب من طريق الطبيعة في معدنها وأقل زمانا صحيحا لما تركته الطبيعة إلى طريقها الذي سلكته في تكوين الذهب والفضة وتخليصهما وأما تشبيه الطغرائي هذا التدبير بما عثر عليه من مفردات لأمثاله في الطبيعة كالعقرب والحية وتخليقهما فأمر صحيح في ذلك أدى عليه العثور كما زعم وأما الكيمياء فلم ينقل عن أحد من أهل العلم أنه عثر عليها ولا على طريقها وما زال منتحلوها يخبطون فيها خبط عشواء ولا يظفرون إلا بالحكايات الكاذبة ولو صح ذلك لأحد منهم لحفظه عنه ولده أو تلميذه وأصحابه وتنوقل في الاصدقاء وضمن تصديقه صحة العمل بعده إلى أن ينتشر ويبلغ الينا أو إلى غيرنا وأما قولهم : إن الاكسير بمثابة الخميرة وأنه مركب يحيل ما حصل فيه ويقلبه إلى ذاته فليس بشيء لأن الخميرة إنما تقلب العجين وتعده للهضم وهو فساد والفساد في المواد سهل يقع بأيسر شيء من الأفعال والطبائع والمطلوب من الاكسير قلب المعدن إلى ما هو أشرف منه وأعلى فهو تكوين والتكوين أصعب من الفساد فلا يقاس الاكسير على الخميرة ثم قال : وتحقيق الأمر في ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها كما يزعم الحكماء المتكلمون فيها فليس من باب الصنائع الطبيعية ولا يتم بأمر صناعي وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات وإنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية وسائر الخوارق وقد ذكر مسلمة المجريطي في كتابه الغاية ما يشبه ذلك وكلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى وكذا كلام جابر في رسائله .
وبالجملة أن نيلها إن كان صحيحا فهو واقع مما وراء الصنائع والطبائع فهي إنما تكون بتأثيرات النفس وخوارق العادة كالمشي على الماء وتخليق الطير فليست إلا معجزة أو كرامة أو سحرا ولهذا كان كلام الحكماء فيها الغازا لا يظفر بتحقيقه إلا من خاض لجة من علوم السحر واطلع على تصرفات النفس في عالم الطبيعة وأمور خرق العادة غير منحصرة ولا يقصد أحد إلى تحصيلها اه وإلى إمكانها ذهب الامام الرازي فقال الحق أمكانها لأن الأجساد السبعة مشتركة في أنها أجساد ذائبة صابرة على النار منطرقة وأن الذهب لم يتميز عن غيره إلا بالصفرة والرزانة أو الصورة الذهبية المفيدة لهذين العرضين إن ثبت ذلك وما به الاختلاف لا يكون لازما لما به الاشتراك فاذن يمكن أن تتصف جسمية النحاس بصفرة الذهب ورزانته وذلك هو المطلوب والحق أن الكيمياء ممكنة وأنها من الصنائع الطبيعية لكن العلم بها من أقاصي العلوم الصعبة التي لا يطلع عليها إلا من أهله الله تعالى لها وأختصه سبحانه من عباده وأوليائه بها وهو علم تاهت في طلبه العقول وطاشت الاحلام وأصله من الوحي الالهي وحصل لبعض بالتصفية وكثرة النظر مع التجربة ووصل إلى من ليس أهلا للوحي ولم يتعاط ما تعاطاه البعض بالتعلم ممن من الله تعالى به عليه وقال ارس : وهو من أجلة أهل هذا العلم كان أوله وحيا من الله تعالى ثم درس وباد فاستخرجه من استخرجه من الكتب وقد جرت سنة الله تعالى فيمن ظفر به بكتمه إلا على من شاء الله تعالى وتواصت الحكماء على كتمه عن غير أهله بل قيل : إن الله تعالى أخذ على العقول في فطرتها المواثيق