في الآثار أن بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام مختلفة الحقيقة لما أن الإختلاف في الآثار المشار إليه بقوله تعالى : فأوحى في كل سماء أمرها يدل عليه ولم يجمع الأرض لأن طبقاتها ليست متصفة بجميع ذلك فإنها سواء كانت متفاصلة بذواتها كما ورد في الأحاديث من أن بين كل أرضين كما بين كل سماءينأو لا تكون متفاصلةكما هو رأي الحكيمغير مختلفة في الحقيقة إتفاقا .
وإختلاف الليل والنهار أي تعاقبهما وكون كل منهما خلفا للآخر أو إختلاف كل منهما في أنفسهما إزديادا وإنتقاصا أو ظلمة ونورا وقدم الليل لسبقه في الخلق أو لشرفه .
والفلك التي تجري في البحر عطف على خلق السموات لا على السموات أو عطف على الليل والنهار والفلك من الألفاظ التي أستعملت مفردا وجمعا وقدر بينهما تغاير إعتباري فإن أعتبر أن ضمته أصلية كضمة قفل فمفرد وإن أعتبر أنها عارضة كضمةأسد فجمع ومن الأول قوله تعالى : في الفلك المشحون ومن الثاني قوله تعالى : إذا كنتم في الفلك وجرين بهم وقيل : إنه جمع فلك بفتح الفاء وسكون اللام وقيل : إنه أسم جمع وزعم بعضهم أنه قريء فلك بضمتين وهو عند بعض مفرد لا غير وقال الكواشي : الفلك والفلك بضمتين لغتان الواحد والجمع سواء في اللفظ ويعرف ذلك بجمع ضمير فعلهما وإفراده .
بما ينفع الناس ما إما مصدرية أي بنفعهما وموصولة أي بالذي ينفعهم وعلى الأول ضمير الفاعل اما للفلك لأنه مذكر اللفظ مؤنث المعنى كما قيل أو للجري أو للبحر وإحتمال كونها موصوفة لا يلائمه مقام الإستدلال وما أنزل الله من السماء من مآء عطف على الفلك قيل : وتأخيره عن ذكرها مع كونه أعم منها نفعا لما فيه من مزيد تفضيل وقيل : المقصود من الأول الإستدلال ب البحر وأحواله لا ب الفلك الجاري فيه لأن الإستدلال بذلك إما بصنعته على وجه يجري في الماء أو العلم بكيفية إجرائه أو بتخسير الريح والبحر لذلك أو توسله إلى ما ينفع الناس وشيء منها ليس من حاله في نفسه ولأن الإستدلال بالف الجاري في البحر إستدلال بحال من أحوال البحر بخلاف ما لو أستدل ب البحر وجميع أحواله فإنه أعم وأليق بالمقام إلا أنه خص الفلك بالذكر مع أن مقتضى المقام حينئذ أن يقال : والعجائب التي في البحرلأنه سبب الإطلاع على أحواله وعجائبه فكان ذكره ذكرا لجميع أحواله وطريقا إلى العلم بوجوده دلالته ولذلك قدم على ذكرالمطر والسحاب لأن منشأهما البحر في غالب الأمر وإلا فالمناسب بعد ذكر إختلاف الليل والنهار الذي هو من الآيات العلوية ذكر المطر والسحاب اللذين هما من كائنات الجو وعدم نظم الفلك في البين لكونها من الآيات السفلية وعندي أن هذا خلاف الظاهر جدا وإن جل قائله إذ يؤول المعنى إلىوالبحر الذي تجري فيه الفلك بما ينفع الناسوهو قلب للنظم الكريم بغير داع إليه ولا دليل يعول عليه وأي مانع من كون الإستدلال بإختلاف الفلك وذهابها مرة كذا ومرة كذا على حسب ما تحركها المقادير الآلهية أو بالفلك الجارية في البحر من حيث إنها جارية فيه موقرة مقبلة ومدبرة متعلقة بحبال الهواء على لطفه وكثافتها لا ترسب إلى قاع البحر مع تلاطم أمواجه وإضطراب لججه وكون شيء من ذلك ليس حالا لها في نفسها غير مسلم ووجه الترتيب على ما أرى أنه سبحانه ذكر أولا خلق أمرين علوي وسفلي وإختلاف شيئين بمدخلية أمرين سماوي وأرضي ثانيا إذ تعاقب الليل والنهار أو إختلافهما