لفظ إله وتوصيفه بالوحدة لإفادة أن المعتبر الوحدة في الآلوهية وإستحقاق العبادة ولولا ذلك لكفى وإلهكم واحدفهو بمنزلة وصفهم الرجل بأنه سيد واحد وعالم واحدوقال أبو البقاء : إلهخبر المبتدأ و واحد صفة له والغرض هنا هو الصفة إذ لو قال : وإلهكم واحد لكان هو المقصود إلا أن في ذكره زيادة تأكيد وهذا يشبه الحال الموطئة كقولك : مررت رجلا صالحا وكقولك في الخبر : زيد شخص صالح ولعل الأول ألطف وأكثر الناس على أن الواحد هنا بمعنى لا نظير له ولا شبيه في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وقيل : إن المراد به ما ليس بذي أبعاض ولا يجوز عليه الإنقسام ولا يحتمل التجزئة أصلا وليس المعنى به هنا مبدأ العدد وأصح الأقوال عند ذوي العقول السليمة أنه الذي لا نظير له ولا شبيه له في إستحقاق العبادة وهو مستلزم لكل كمال آب عما فيه أدنى وصمة وإخلال لا إله إلا هو .
خبر ثان للمبتدأ أو صفة أخرى للخبر أو جملة معترضة لا محل لها من الإعراب وعلى أي تقدير هو مقرر للوحدانية ومزيح على ما قيل لما عسى أن يتوهم أن في الوجود إلها لكن لا يستحق العبادة والضمير المرفوع على الصحيح بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف فهو بدل مرفوع من ضمير مرفوع وقد أختلف في المنفى هل المعبود بحق أو المعبود بباطل فقال محمد الشيشيني : النفي إنما تسلط على الآلهة المعبودة بباطل تنزيلا لها منزلة العدم وقال عبدالله الهبطي : إنما تسلط على الآلهة المعبودة بحق ولكل أنتصر بعض وذكر الملوي أن الحق مع الثاني لأن المعبود بباطل له وجود في الخارج ووجود في ذهن المؤمن بوصف كونه باطلا ووجود في ذهن الكافر بوصف كونه حقا فهو من حيث وجوده في الخارج في نفسه لا تنفي لأن الذات لا تنفي وكذا من حيث كونه معبودا بباطل لا ينفي أيضا إذ كونه معبودا بباطل أمر حق لا يصح نفيه وإلا كان كذبا وإنما ينفي من حيث وجوده في ذهن الكافر من حيث وجوده في ذهنه بوصف كونه معبودا بحق فالمعبودات الباطلة لم تنف إلا من حيث كونها معبودة بحق فلم ينف في هذه الكلمة إلا المعبود بحق غيره تعالى فأفهم وسيأتي تحقيق ما في هذه الكلمة الطيبة في محله إن شاء الله تعالى : الرحمن الرحيم 361 .
خبران آخران بعد خبر أو خبرين لقوله تعالى إلهكم أو لمبتدأ محذوف والجملة معترضة أو بدلان على رأي وجيء بهما لتمييز الذات الموصوفة بالوحدة عما سواه وليكون الجواب موافقا لما سألوه وفي ذلك إشارة إلى حجة الوحدانية لأنه لما كان مولى النعم كلها أصولا وفروعا دنيا وأخرى وما سواه إما خير محض أو خير غالب وهو إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره لإستواء الكل في الإحتياج إليه تعالى في الوجود وما يتبعه من الكمالات .
إن في خلق السموات واللأرض أخرج البيهقي عن أبي الضحى معضلاأنه كان للمشركين حول الكعبة ثلثمائة وستون صنما فلما سمعوا هذه الآية تعجبوا وقالوا : إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك فنزلت ولفرط جهلهم لم يكفهم الحجة الإجمالية المشير إليها الوصفان وإنما جمع السموات وأفرد الأرض للإنتفاع بجميع أجزاء الأولى بإعتبار ما فيها من نور كواكبها وغيره دون الثانية فإنه إنما ينتفع بواحدة من آحادها وهي ما نشاهده منها وقال أبو حيان : لم تجمع الأرض لأن جمعها ثقيل وهو مخالف للقياس ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه لثقله وخفة المفرد وجمع لم يقع مفرده كالألباب وفي المثل السائر نحوه وقال بعض المحققين : جمع السموات لأنها طبقات ممتازة كل واحدة من الأخرى بذاتها الشخصية كما يدل عليه قوله تعالى : فسواهن سبع سموات سواء كانت متماسة كما هو رأي الحكيم أو لا كما جاء