إنه لا غائلة للمأمور به وإن الشهادة التي ربما يؤدي إليها الصبر حياة أبدية لمن يقتل في سبيل الله أي في طاعته وإعلاء كلمته وهم الشهداء واللام للتعليل لا للتبليغ لأنهم لم يبلغوا الشهداء قولهم : أموات أي هم أموات .
بل أحياء .
أي بل هم أحياء والجملة معطوفة على لا تقولوا إضراب عنه وليس من عطف المفرد على المفرد ليكون في حيز القول ويصير المعنى بلقولوا أحياء لأن المقصود إثبات الحياة لهم لا أمرهم بأن يقولوا في شأنهم أنهم أحياء وإن كان ذلك أيضا صحيحا ولكن لا تشعرون 451 .
أي لا تحسون ولا تدركون ما حالهم بالمشاعر لأنها من أحوال البرزخ التي لا يطلع عليها ولا طريق للعلم بها إلا بالوحي وأختلف في هذه الحياة فذهب كثير من السلف إلى أنها حقيقية بالروح والجسد ولكنا لا ندركها في هذه النشأة وأستدلوا بسياق قوله تعالى : عند ربهم يرزقون وبأن الحياة الروحانية التي ليست بالجسد ليست من خواصهم فلا يكون لهم إمتياز بذلك على من عداهم وذهب البعض إلى أنها روحانية وكونهم يرزقون لا ينافي ذلكفقد روى عن الحسن أن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الوجع فوصول هذا الروح إلى الروح هو الرزق والإمتياز ليس بمجرد الحياة بل مع ما ينضم إليها من إختصاصهم بمزيد القرب من الله عز شأنه ومزيد البهجة والكرامة وذهب البلخي إلى نفي الحياة بالفعل عنهم مطلقا وأخرج الجملة الأسمية الدالة على الإستمرار المستوعب للأزمنة من وقت القتل إلى ما لا آخر له عن ظاهرها وقال : معنى بل أحياء إنهم يحيون يوم القيامة فيجزون أحسن الجزاء فالآية على حد إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم وفائدة الأخبار بذلك الرد على المشركين حيث قالوا : إن أصحاب محمد يقتلون أنفسهم ويخرجون من الدنيا بلا فائدة ويضيعون أعمارهم فكأنه قيل : ليس الأمر كما زعمتم بل يحيون ويخرجون وذهب بعضهم إلى إثبات الحياة الحكمية لهم بما نالوا من الذكر الجميل والثناء الجليل كما روى عن علي كرم الله تعالى وجهه هلك خزان الأموال والعلماء باقون ما بقى الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة وحكى عن الأصم أن المراد بالموت والحياة الضلال والهدى أي لا تقولوا هم أموات في الدين ضالون عن الصراط المستقيم بل هم أحياء بالطاعة قائمون بأعبائها ولا يخفى أن هذه الأقوالما عدا الأولينفي غاية الضعف بل نهاية البطلان والمشهور ترجيح القول الأول ونسب إلى إبن عباس وقتادة ومجاهد والحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء والجبائي والرماني وجماعة من المفسرين لكنهم أختلفوا في المراد بالجسد فقيل : هو هذا الجسد الذي هدمت بنيته بالقتل ولا يعجز الله تعالى أن يحل به حياة تكون سبب الحس والإدراك وإن كنا نراه رمة مطروحة على الأرض لا يتصرف ولا يرى فيه شيء من علامات الأحياء فقد جاء في الحديث إن المؤمن يفسح له مد بصره ويقال له نم نومة العروس مع أنا لا نشاهد ذلك إذ البرزخ برزخ آخر بمعزل عن أذهاننا وإدراك قوانا وقيل : جسد آخر على صورة الطير تتعلق الروح فيه وأستدل بما أخرجه عبدالرزاق عن عبدالله بن كعب بن مالك قال قال رسول الله : إن أرواح الشهداء في صور طير خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها الله تعالى يوم القيامة ولا يعارض هذا ما أخرجه مالك وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وإبن ماجه عن كعب بن مالك : إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : إن