لإختلاف المراد بها في الموضعين ولكل مقام مقال وقيل : التزكية عبارة عن تكميل النفس بحسب القوة العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة إلا أنها وسطت بين التلاوة والتعليم المترتب عليها للإيذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر ولو روعي ترتيب الوجود كما في دعوة إبراهيم E لتبادر إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة وقيل : قدمت التزكية تارة وأخرت أخرى لأنها علة غائية لتعليم الكتاب والحكمة وهي مقدمة في القصد والتصور مؤخرة في الوجود والعمل فقدمت وأخرت رعاية لكل منهما وأعترض بأن غاية التعليم صيرورتهم أزكياء عن الجهل لا تزكية الرسول E إياها المفسرة بالحمل على ما يصيرون به أزكياء لأن ذلك إما بتعليمه إياهم أو بأمرهم بالعمل به فهي إما نفس التعليم أو أمر لا تعلق له به وغاية ما يمكن أن يقال : إن التعليم بإعتبار أنه يترتب عليه زوال الشك وسائر الرذائل تزكيته إياهم فهو بإعتبار غاية وبإعتبار مغياك الرمي والقتل في قولهم : رماه فقتله فأفهم ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون 151 مما لا طريق إلى معرفته سوى الوحي وكان الظاهر و ما لم تكونوا ليكون من عطف المفرد على المفرد إلا أنه تعالى كرر الفعل للدلالة على أنه جنس آخر غير مشارك لما قبله أصلا فهو تخصيص بعد التعميم مبين لكون إرساله صلى الله تعالى عليه وسلم نعمة عظيمة ولولاه لكان الخلق متحيرين في أمر دينهم لا يدرون ماذا يصنعون فأذكروني بالطاعة قلبا وقالبا فيعم الذكر باللسان والقلب والجوارح فالأول كما في المنتخب الحمد والتسبيح والتحميد وقراءة كتاب الله تعالى والثاني الفكر في الدلائل الدالة على التكاليف والوعد والوعيد وفي الصفات الآلهية والأسرار الربانية .
والثالث إستغراق الجوارح في الأعمال المأمور بها خالية عن الأعمال المنهى عنها ولكون الصلاة مشتملة على هذه الثلاثة سماها الله تعالى ذكرا في قوله : فأسعوا إلى ذكر الله وقال أهل الحقيقة : حقيقة ذكر الله تعالى أن ينسى كل شيء سواه أذكركم أي أجازكم بالثواب وعبر عن ذلك بالذكر للمشاكلة ولأنه نتيجته ومنشؤه وفي الصحيحين من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه وأشكروا لي ما أنعمت به عليكم وهو أشكرونيبمعنى ولي أفصح مع الشكر وإنما قدم الذكر على الشكر لأن في الذكر إشتغالا بذاته وفي الشكر إشتغالا بنعمته والإشتغال بذاته تعالى أولى من الإشتغال بنعمته .
ولا تكفرون 251 بجحد نعمتي وعصيان أمري وأردف الأمر بهذا النهي ليفيد عموم الأزمان وحذف ياء المتكلم تخفيفا لتناسب الفواصل وحذفت نون الرفع للجازم .
ياأيها الذين آمنوا أستعينوا بالصبر على الذكر والشكر وسائر الطاعات من الصوم والجهاد وترك المبالاة بطعن المعاندين في أمر القبلة والصلاة التي هي الأصل والموجب لكمال التقرب إليه تعالى .
إن الله مع الصابرين 351 معية خاصة بالعون والنصر ولم يقل مع المصلين لأنه إذا كان مع الصابرين كان مع المصلين من باب أولى لإشتمال الصلاة على الصبر ولا تقولوا عطف على وأستعينوا إلخ مسوق لبيان