السورة الكريمة ثم يميتكم عند مجيء آجالكم ثم يحييكم عند البعث إن الإنسان لكفور .
66 .
- أي جحود بالنعم مع ظهورها وهذا وصف للجنس بوصف بعض أفراده وقيل المراد بالإنسان الكافر وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وعن ابن عباس أيضا أنه قال : هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل وأبي بن خلف ولعل ذلك على طريق التمثيل .
لكل أمة كلام مستأنف جيء به لزجر معاصريه E من أهل الأديان السماوية عن منازعته E ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم في النظر أي لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية جعلنا وضعنا وعينا منسكا أي شريعة خاصة وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر لا لأمة أخرى منهم والكلام نظير قولك لكل من فاطمة وزينب وهند وحفصة أعطيت ثوبا خاصا إذا كنت أعطيت فاطمة ثوبا أحمر وزينب ثوبا أصفر وهند ثوبا أسود وحفصة ثوبا أبيض فإنه بمعنى لفاطمة أعطيت ثوبا أحمر لا لأخرى من أخواتها ولزينب أعطيت ثوبا أصفر لا لأخرى منهن وهكذا وحاصل المعنى هنا عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى لا استقلالا ولا اشتراكا وقوله تعالى هم ناسكوه صفة لمنسكا مؤكدة للقصر والضمير لكل أمة باعتبار خصوصها أي تلك الأمة المعينة ناسكون به وعاملون لا أمة أخرى فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام منسكهم ما في التوراة هم عاملون به لا غيرهم والتي كانت من مبعث عيسى عليه السلام إلى مبعث نبينا صلى الله عليه وسلّم منسكهم ما في الإنجيل هم عاملون به لا غيرهم وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي A ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم ما في القرآن ليس إلا والفاء في قوله سبحانه فلا ينازعنك في الأمر أي أمر الدين لترتيب النهي على ما قبلها فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التي من جملتها أمته E شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم ما عين لها موجب لطاعة هؤلاء له A وعدم منازعتهم إياه في أمر الدين زعما منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم مما في التوراة والإنجيل فإن ذلك شريعة لمن مضى قبل انتساخه وهؤلاء أمة مستقلة شريعتهم ما في القرآن فحسب والظاهر أن المراد نهيهم حقيقة عن النزاع في ذلك .
واختار بعضهم كونه كناية عن نهيه A عن الإلتفات إلى نزاعهم المبني على زعمهم المذكور لأنه أنسب بقوله تعالى الآتي وادع الخ وأمر الأنسبية عليه ظاهر إلا أنه في نفسه خلاف الظاهر وقال الزجاج : هو نهي له E على منازعتهم كما تقول : لا يضاربنك زيد أي لا تضاربنه وذلك بطريق الكناية وهذا يجوز على ما قيل وبحث في باب المفاعلة للتلازم فلا يجوز في مثل لا يضرنك زيد أن تريد لا تضربنه .
وتعقب بأنه لا يساعده المقام وقريء فلا ينازعنك بالنون الخفيفة وقرأ أبو مجلز ولاحق بن حميد فلا ينزعنك بكسر الزاي على أنه من النزع بمعنى الجذب كما في البحر والمعنى كما قال ابن جني فلا يستخفنك عن دينك إلى أديانهم فتكون بصورة المنزوع عن شيء إلى غيره .
وفي الكشاف أن المعنى أثبت في دينك ثباتا لا يطمعون أن يجذبوك ليزيلوك عنه والمراد زيادة .
196 .
- التثبيت له E بما يهيج حميته ويلهب غضبه لله تعالى ولدينه ومثله كثير في القرآن .
وقال الزجاج : هو من نازعته فنزعته أنزعه أي غلبته فالمعنى لا يغلبنك في المنازعة والمراد بها منازعة الجدال يعني أن ذلك من باب المغالبة لكن أنت تعلم أنها عند الجمهور تقال في كل فعل فاعلته ففعلته أفعله بصم العين ولا تكسر إلا شذوذا وزعم الكسائي ورده العلماء أن ما كان عينه أو لامه حرف حلق لا يضم بل يترك على ما كان عليه فيكون ما هنا على توجيه الزجاج شاذا عند الجمهور .
وقال سيبويه : كما في المفصل وليس في كل شيء يكون هذا أي باب المغالبة ألا ترى أنك تقول : نازعني فنزعته استغنى عنه بغلبته ثم إن المراد من لا يغلبنك في المنازعة لا تقصر في منازعتهم حتى يغلبوك فيها وفيه مبالغة في التثبيت فليس هناك نهي له صلى الله تعالى عليه وسلم عن فعل غيره هذا وما ذكرنا من تفسير المنسك بالشريعة هو رواية عطاء عن ابن عباس واختاره القفال وقال الإمام : هو الأقرب وقيل : هو مصدر بمعنى النسك أي العبادة قال ابن عطية : يعطى ذلك هم ناكسوه وقيل : هو اسم زمان وقيل : اسم مكان وكان الظاهر ناكسون فيه إلا ألآنه اتسع في ذلك وقال مجاهد : هو الذبح .
وأخرج ذلك الحاكم وصححه والبيهقي عن علي بن الحسن رضي الله تعالى عنهما وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعبد بن حميد عن عكرمة وجعل ضمير ينازعنك للمشركين والأمر المتنازع فيه أمر الذبائح لما ذكر من أن الآية نزلت بسبب قول الخزاعيين بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن خنيس للمؤمنين مالكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله تعالى ومنهم من اقتصر على جعل محل النزاع أمر النسائك وجعله عبارة عن قول الخزاعيين المذكور وتعقبه شيخ الإسلام بأنه مما لا سبيل إليه أصلا كيف لا وأنه يستدعي أن يكون أكل الميتة وسائر ما يدين به المشركون من الأباطيل من المناسك التي جعلها الله تعالى لبعض الأمم ولا يرتاب في بطلانه عاقل وأجيب بأن المعنى لا ينازعنك المشركون في أمر النسائك فإنه لكل أمة شريعة شرعناها وأعلمناها بها فكيف ينازعون بما ليس له عين ولا أثر فيها وقيل : المعنى عليه لا تلتفت إلى نزاع المشركين في أمر الذبائح فإنا جعلنا لكل أمة من أهل الأديان ذبحاهم ذابحوه .
وحاصله لا تلتفت إلى ذلك فإن الذبح شرع قديم للأمم غير مختص بأمتك وهذا مما لا شك في صحته ومن قال بصحة الآثار وعص عليها بالنواجذ لا يكاد يجد أولى منه بيان حاصل الآية على ما تقتضيه ومن لم يكن كذلك ورأى أن الآية متى احتملت معنى جزلا لا محذور فيه قيل به وإن لم يذكره أحد من السلف فعليه بما ذكرناه أولا في تفسير الآية وأياما كان فالظاهر أنه إنما لم تعطف هذه الجملة كما عطف قوله تعالى ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا الخ لضعف الجامع بينها وبين ما تقدمها من الآيات بخلاف ذلك وفي الكشف بيانا لكلام الكشاف في توجيه العطف هناك وتركه هنا أن الجامع هناك قوي مقتض للعطف فإن قوله تعالى لكم فيها أي في الشعائر منافع دينية ودنيوية كوجوب نحرها منتهية إلى البيت العتيق كالإعادة لما في قوله تعالى ليشهدوا منافع وليذكروا اسم الله في أيام معلومات إلا أن فيه تخصيصا بالمخاطبين فعطف عليه ولكل أمة جعلنا منسكا للذكر لتتم الإعادة والغرض من هذا الأسلوب أن يبين أنه شرع قديم وأنه