بأن الفلك لا ثقيل ولا خفيف : وبنوا ذلك على زعمهم استحالة قبوله الحركة المستقيمة وفرعوا عليه أنه لا حار ولا بارد ولا رطب ولا يابس واستدلوا على استحالة قبوله الحركة المستقيمة بما أبطله المتكلمون في كتبهم .
والمعروف من مذهب سلف المسلمين أن السماء غير الفلك وأن لها أطيطا لقوله E أطت السمء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو ساجد وأنها ثقيلة محفوظة عن الوقوع بمحض إرادته سبحانه وقدرته التي لا يتعاصاها شيء لا لاستمساكها بذاتها .
وذكر بعض المتكلمين لنفي ذلك أنها مشاركة في الجسمية لسائر الأجسام القابلة للميل الهابط فتقبله كقبول غيرها وللبحث فيه على زعم الفلاسفة مجال والتعبير بالمضارع لإفادة الإستمرار التجددي أي يمسكها آنا فآنا من الوقوع إلا بإذنه أي بمشيئته والإستثناء مفرغ من أعم الأسباب وصح ذلك في الموجب قيل لصحة إرادة العموم أو لكون يمسك فيه معنى النفي أي لا يتركها تقع بسبب من الأسباب كمزيد مرور الدهور عليها وكثقلها بما فيها إلا بسبب مشيئته وقوعها وقيل : استثناء من أعم الأحوال أي لا يتركها تقع في حال من الأحوال إلا في كونها ملتبسة بمشيئته تعالى ولعل ما ذكرناه أظهر وفي البحر أن الجار والمجرور متعلق بتقع وقال ابن عطية : يحتمل أن يتعلق بيمسك لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه فكأنه أراد إلا بإذنه فبه يمسكها ولو كان كما قال لكان التركيب بدون إلا انتهى ولعمري أن ما قاله ابن عطية لا يقوله من له أدنى روية كما لا يخفى ثم أنه لا دلالة في الآية على وقوع الإدن بالوقوع وقيل فيها إشارة إلى الوقوع وذلك يوم القيامة فإن السماء فيه تتشقق وتقع على الأرض وأنا ليس في ذهني من الآيات أو الأخبار ما هو صريح في وقوع السماء على الأرض في ذلك اليوم وإنما هي صريحة في المور والإنشقاق والطي والتبدل وكل ذلك لا يدل على الوقوع على الأرض فضلا عن أن يكون صريحا فيه والظاهر أن المراد بالسماء جنسها الشامل للسماوات السبع ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال : إذا أتيت سلطانا مهيبا تخاف أن يسطو بك فقل : الله أكبر الله أكبر من خلقه جميعا الله أكبر مما أخاف وأحذر أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السماوات السبع أن يقمن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس إلهي كن لي جارا من شرهم جل ثناؤك وعز جارك وتبارك اسمك لا إله غيرك ثلاث مرات .
والظاهر أيضا أن مساق الآية للإمتنان لا للوعيد كما جوزه بعضهم ويؤيد ذلك قوله تعالى : إن الله بالناس لرؤف رحيم .
65 .
- حيث سخر لهم ما سخر ومن عليهم بالأمن مما يحول بينهم وبين الإنتفاع به من وقوع السماء على الأرض وقيل حيث هيأ لهم أسباب معايشهم وفتح عليهم أبواب المنافع وأوضح لهم مناهج الإستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية وجعل الجملة تعليلية في ضمن ألم تر أن الله سخر الخ أظهر فيما قلنا والرأفة قيل ما تقتضي درء المضار والرحمة قيل ما تقتضي جلب المصالح ولكون در المضرة أهم من جلب المصلحة قدم رؤف على رحيم وفي كل مما امتن به سبحانه درء وجلب نعم قيل إمساك السماء عن الوقوع أظهر في الدرء ولتأخيره وجه لا يخفى وقال بعضهم : الرأفة أبلغ من الرحمة وتقديم رؤف للفاصلة وذهب جمع إلى أن الرحمة أعم ولعله الظاهر وتقديم بالناس للإهتمام وقيل للفاصلة والفصل بين الموضعين مما لا يستحسن وهو الذي أحياكم بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا حسبما فصل في مطلع