يمتنع النصب هنا لأن النفي إذا دخل عليه الإستفهام وإن كان يقتضي تقريرا في بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى قوله تعالى ألست بربكم قالوا بلى وكذلك في الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب فإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا بالنصب فالمعنى ما تأتينا محدثا إنما تأتينا ولا تحدث ويجوز أن يكون المعنى لا تأتينا فكيف تحدثنا فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الإستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته همزة الإستفهام وينفي الجواب فيلزم من ذلك هنا إثبات الرؤية وانتفاء الإخضرار وهو خلاف المراد وأيضا جواب الإستفهام ينعقد منه مع الإستفهام شرط وجزاء ولا يصح أن يقال هنا إن تر إنزال الماء تصبح الأرض مخضرة لأن اخضرارها ليس مترتبا على على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال أه .
وإلى انعكاس المعنى على تقدير النصب ذهب الزمخشري حيث قال : لو نصب الفعل جوابا للإستفهام لأعطى ما هو عكس الغرض لأن معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار لكن تعقبه صاحب الفرائد حيث قال : لا وجه لما ذكره صاحب الكشاف ولا يلزم المعنى الذي ذكره بل يلزم من نصبه أن يكون مشاركا لقوله تعالى ألم تر تابعا له ولم يكن تابعا لإنزل ويكون مع ناصبه مصدرا معطوفا على المصدر التي تضمنه ألم تر والتقدير ألم تكن لك رؤية إنزال الماء من السماء وإصباح الأرض مخضرة وهذا غير مراد من الآية بل أن يكون إصباح الأرض مخضرة بإنزال الماء فيكون حصول اخضرار الأرض تابعا للإنزال معطوفا عليه أه وفيه بحث .
وقال صاحب التقريب في ذلك : إن النصب بتقدير أن هو علم للإستقبال فيجعل الفعل مترقبا والرفع جزم بإخباره وتلخيصه أن الرفع جزم بإثباته والنصب ليس جزما بإثباته لا أنه جزم بنفيه ولا يخفى أنه إن صح في نفسه لا يطابق مغزى الزمخشري وعلل أبو البقاء امتناع النصب بأمرين أحدهما انتفاء سببية المستفهم عنه لما بعد الفاء كما تقدم عن البحر والثاني أن الإستفهام المذكور بمعنى الخبر فلا يكون له جواب وإلى هذا ذهب الفراء فقال : ألم تر خبر كما تقول في الكلام أعلم أن تعالى يفعل كذا فيكون كذا وقال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن قوله تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة فقال هذا واجب وهو تنبيه كأنك قلت : أتسمع وفي النسخة الشرقية من الكتاب انتبه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا .
وقال بعض المتأخرين : يجوز أن يعتبر تسبب الفعل عن النفي ثم يعتبر دخول الإستفهام التقريري فيكون المعنى حصل منك رؤية إنزال الله تعالى الماء فإصباح الأرض مخضرة لأن الإستفهام المذكور الداخل على النفي يكون في معنى نفي النفي وهو إثبات فإن قلت : الرؤية لا تكون سببا لا نفيا ولا إثباتا للإخضرار قلت : الرؤية مقحمة والمقصود هو الإنزال أو هي كناية عنه لأنها تلزمه مع أنه يكفي التشبيه بالسبب كما نص عليه الرضي في ما تأتينا فتحدثنا في أحد اعتباريه واختار هذا في الإستدلال على عدم جواز النصب أن النصب مخلص المضارع للإستقبال اللائق بالجزائية على ما قرر في علم النحو ولا يمكن ذلك في الآية الكريمة كما ترى .
وبالجملة إن الذي عليه المحققون أن من جوز النصب هنا لم يصب وأن المعنى المراد عليه ينقلب وقريء وخضرة بفتح الميم وتخفيف الضاد مثل مقبلة ومجزرة أي ذات خضرة إن الله لطيف أي متفضل على العباد بإيصال