به ببيان استحالة مجيئه قبل وقته الموعود والجملة الأخيرة بيان لبطلانه ببيان ابتنائه على استطالة ما هو قصير عنده تعالى على الوجه المار بيانه وحينئذ لا يكون في النظم الكريم تعرض لإنكارهم مجيئه الذي دسوه تحت الإستعجال ويكتفي في رد ذلك ببيان عاقبة من قبلهم من أمثالهم وأياما كان فالعذاب المستعجل به العذاب الدنيوي وهو الذي يقتضيه السباق والسياق وقيل : المراد بالعذاب الأخروي والمراد باليوم المذكور يوم ذلك العذاب واستطالته لشدته فغن أيام الترحة مستطلة وأيام الفرحة مستقصرة كما قيل : تمتع بأيام السرور فإنها قصار وأيام الهموم طوال وعلى ذلك جاء قوله : ليلى وليلى نفي نومي واختلافهما بالطول والطول يا طوبى لو اعتدلا يجود بالطول ليلى كلما بخلت بالطول ليلى وأن جادت به بخلا فيكون قد رد عليهم إنكار مجيء العذاب بالجملة الولى وأنكر عليهم الإستعجال به وإن كان ذلك على وجه الإستهزاء بالجملة الثانية فكأنه قيل : كيف تنكرون مجيئه وقد سبق الوعد ولن يخلف الله تعالى وعده فلا بد من مجيئه حتما تستعجلون به واليوم الواحد من أيامه لشدته يرى كألف سنة مما تعدون ويقال نحو ذلك على القول بأن المراد باليوم أحد أيام الآخرة فإنها اعتبرت طوالا أو أنها تستطال لشدة عذابها .
واعترض بأن ذلك مما لا يساعده السباق ولا السياق وقال الفراء : تضمنت الآية عذاب الدنيا والآخرة وأريد بالعذاب المستعجل به عذاب الدنيا أي لن يخلف الله تعالى وعده في إنزال العذاب بكم في الدنيا وإن يوما من أيام عذابكم في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا ولا يخلو عن حسن إلا أن فيه بعدا كما لا يخفى .
واستدل المعتزلة بقوله تعالى : لن يخلف الله وعده على أن الله سبحانه لا يغفر للعصاة لأن الوعد فيه بمعنى الوعيد وقد أخبر سبحانه أنه لا يخلفه والمغفرة تستلزم الخلف المستلزم للكذب المحال عليه تعالى .
وأجاب أهل السنة بأن وعيدات سائر العصاة إنشاءات أو إخبارات عن استحقاقهم ما أوعدوا به لا عن إيقاعه أو هي إخبارات عن إيقاعه مشروطة بعد العفو وترك التصريح بالشرط بزيادة الترهيب ولا كذلك وعيدات الكفار فإنها محض إخبارات عن الإيقاع غير مشروطة بشرط أصلا كمواعيد المؤمنين والداعي للتفرقة الجمع بين الآيات وأنت تعلم أن ظاهر هذا أن وعيدات الكفار بالعذاب الدنيوي كوعيداتهم بالعذاب الأخروي لا يتطرقها عدم الوقوع فلا يجوز العفو عن عذابهم مطلقا متى وعد به وعندي في التسوية بين الأمرين تردد ويعلم من ذلك حال هذا الجواب على تقدير حمل العذاب في الآية على العذاب الدنيوي الأوفق للمقام والوعد على الوعد به وأجاب بعضهم هنا بأن المراد بالوعد تعالى بالنظرة والإمهال وهو مقابل للوعيد في نظر الممهل ولا خلاف في أن الله تعالى لا يخلف الوعد المقابل للوعيد وأن ما يؤدي به خبر محض لا شرط فيه وقيل : المراد به وعده تعالى نبيه صلى الله عليه وسلّم بإنزال العذاب المستعجل به عليهم وذلك مقابل للوعيد من حيث أن فيه خيرا له E ولا مانع من أن يكون شيء واحد خيرا وشرا بالنسبة إلى شخصين فقد قيل : .
مصائب قوم عند قوم فوائد .
وحينئذ لا دليل للمعتزلة في الآية على دعواهم .
وكأين من قرية أي كم من سكنة قرية أمليت لها كما أمليت لهؤلاء حتى أنكروا مجيء ما وعد