لزمه ما لزم القائل بأنه العلم وإن أراد غير العلم فقد لا يسلم وجود أمر وراء العلم يتوصل به إلى المعرفة .
وقال صاحب القاموس بعد نقل عدة أقوال في العقل : والحق أنه نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية ولعلنا نحقق ذلك في موضع آخر إن شاء الله تعالى ثم إن في محلية القلوب للعلم خلافا بين العقلاء فالمشهور عن الفلاسفة أن محل العلم المتعلق بالكليات والجزئيات المجردة النفس الناطقة ومحل العلم المتعلق بالجزئيات الماديةقوى جسمانية قائمة بأجزاء من البدن وهي منقسمة إلى خمس ظاهرة وخمس باطنة وتسمى الأولى الحواس الظاهرة والثانية الحواس الباطنة وأمر كل مشهور .
وزعم بعض متفلسفة المتأخرين أن المدرك للكليات والجزئيات إنما هو النفس والقوى مطلقا غير مدركة بل آلة في إدراك النفس وذهب إليه بعض منا وفي أبكار الفكار بعد نقل قولي الفلاسفة واما أصحابنا فالبنية المخصوصة غير مشترطة عندهم بل كل جزء من أجزاء بدن الإنسان إذا قام به إدراك وعلم علم فهو مدرك عالم وكون ذلك مما يقوم بالقلب أو غيره مما لا يجب عقلا ولا يمتنع لكن دل الشرع على القيام بالقلب لقوله تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب وقوله سبحانه فتكون لهم قلوب يعقلون بها وقوله D أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها انتهى ولا يخفى أن الإستدلال بما ذكر على محلية القلب للعلم لا يخلو عن شيء نعم لا ينكر دلالة الآيات على أن للقلب الإنساني لما أودع فيه مدخلا تاما في الإدراك والوجدان يشهد بمدخلية ما أودع في الدماغ في ذلك أيضا ومن هنا لا أرى للقول بأن لأحدهما مدخلا دون الآخر وجها وكون الإنسان يضرب على رأسه فيذهب عقله لا يدل على أن لما أودع في الدماغ لا غير مدخلا في العلم كما لا يخفى على من له قلب سليم وذهن مستقيم فتامل .
ويستعجلونك بالعذاب الضمير لقريش كان صلى الله عليه وسلّم يحذرهم عذاب الله تعالى ويوعدهم مجيئه ينكرون ذلك أشد الإنكار ويطلبون كجيئه استهزاء وتعجيزا A فأنكر عليهم ذلك فالجملة خبر لفظا واستفهام وإنشاء معنى وقوله تعالى ولن يخلف الله وعده جملة حالية جيء بها لبيان بطلان إنكارهم العذاب في ضمن استعجالهم به كأنه قيل : كيف تنكرون مجيء العذاب الموعود والحال أنه تعالى لا يخلف وعده وقد سبق الوعد فلا بد من مجيئه أو اعتراضية لما ذكر أيضا وقوله تعالى وأن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون .
47 .
- جملة مستأنفة إن كانت الأولى حالية ومعطوفة عليها إن كانت اعتراضية سيقت لتحقيق إنكار الإستعجال وبيان خطئهم ببيان كمال ساحة حمله تعالى وإظهار غاية ضيق عطنهم المستتبع لكون المدة القصيرة عنده تعالى مددا طوالا عندهم حسبما ينطق به قوله تعالى إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ولذا يرون مجيئه ويتخذونه ذريعة إلى إنكارهم على الإستعجال به ولا يدرون أن معيار تقدير الأمور كلها وقوعا وإخبارا ما عنده من المقدار وقراءة الأخوين وابن كثير يعدون على صيغة الغيبة أي يعده المستعجلون أوفق لهذا المعنى وقد جعل الخطاب في قراءة الجمهور لهم أيضا بطريق الإلتفات لكن الظاهر أنه للرسول A ومن معه من المؤمنين وقيل : المراد بوعده تعالى ما جعل لهلاك كل أمة من موعد معين وأجل مسمى كما في قوله تعالى : يستعجلونك بالعذاب ولو لا أجل مسمى لجاءهم العذاب فتكون الجملة الولى مطلقا مبينة لبطلان الإستعجال