قوله تعالى : يقولون بأفواههم وقولك : نظرت بعيني .
وقال الزمخشري : قد تعورف واعتقد أن العمى على الحقيقة مكانه البصر وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها واستعماله في القلب استعارة ومثل فلما أريد إثبات ما هو خلاف المتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف ليتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار كما تقول : ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيف وهو في حكم قولك : ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهوا مني ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمدا .
وهذه الآية على ما قيل نزلت في ابن مكتوم حين سمع قوله تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى فقال : يا رسول الله أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى وربما يرجح بهذه الرواية إن صحت المعنى الأول إذ حصول الجواب بالآية عليه ظاهر جدا فكأنه قيل له : أنت لا تدخل تحت عموم ومن كان الخ لأن عمى الأبصار في الدنيا ليس بعمى في الحقيقة في جنب عمى القلوب والذي يدخل تحت عموم ذلك من اتصف بعمى القلوب وهذا يكفي في الجواب سواء كان معنى قوله تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ومن كان في الدنيا أعمى القلب فهو في الآخرة كذلك أو ومن كان في الدنيا أعمى القلب فهو في الآخرة أعمى البصر لأنه فيها تبلى السرائر فيظهر عمى القلب بصورة عمى البصر نعم في صحة الرواية نظر .
وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في هذه الآية : ذكر لنا أنها نزلت في عبد الله بن زائدة يعني ابن أبي مكتوم ولا يخفى حكم الخبر إذا روي هكذا واستدل بقوله تعالى أفلم يسيروا الخ على استحباب السياحة في الأرض وتطلب الآثار .
وقد أخرج ابن أبي حاتم في كتاب التفكر عن مالك بن دينار قال : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن اتخذ نعلين من حديد وعصا ثم سح في الأرض فاطلب الآثار والعبر حتى تحفى النعلان وتنكسر العصا وبقوله تعالى فتكون الخ على أن محل العقل القلب لا الرأس قاله الجلال السيوطي في أحكام القرآن العظيم .
وقال الإمام الرازي : في الآية دلالة على أن العقل هو العلم وعلى أن محله هو القلب وأنت تعلم أن كون العقل هو العلم هو اختيار أبي إسحاق الأسفرائيني واستدل عليه بأنه يقال لمن عقل شيئا علمه ولمن علم شيئا عقله وعلى تقدير التغاير لا يقال ذلك وهو غير سديد لأنه إن أريد بالعلم كل علم يلزم منه أن لا يكون عاقلا من فاته بعض العلوم مع كونه محصلا لما عداه وإن أريد بعض العلوم فالتعريف غير حاصل لعدم التمييز وما ذكر من الإستدلال غير صحيح لجواز أن يكون العلم مغايرا للعقل وهما متلازمان وقال الأشعري : لا فرق بين العقل والعلم إلا في العموم والخصوص والعلم أعم من العقل إذا علم مخصوص فقيل : هو العلم الصارف عن القبيح الداعي إلى الحسن وهو قول الجبائي وقيل : هو العلم بخير الخيرين وشر الشرين وهو قول لبعض المعتزلة أيضا ولهم أقوال أخر والذي اختاره القاضي أبو بكر أنه بعض العلوم الضرورية كالعلم باستحالة اجتماع الضدين وأنه لا واسطة بين النفي والإثبات وأن الموجود لا يخرج عن أن يكون قديما أو حادثا ونحو ذلك واحتج إمام الحرمين على صحة ذلك وإبطال ما عداه بما ذكره الآدمي في أبكار الفكار بما له وعليه واختار المحاسبي عليه الرحمة أنه غريزة يتوصل بها إلى المعرفة ورد بأنه إن أراد بالغريزة العلم