وسلامه عليه فيقول لهم : أصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت هذه الآية وهي أول آية نزلت في القتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية على ما روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن أول آية نزلت فيه وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم وفي الإكليل للحاكم أن أول آية نزلت في ذلك إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم وروي البيهقي في الدلائل وجماعة أنها نزلت في مؤمنين خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة فاتبعهم كفار قريش فأذن الله تعالى لهم في قتالهم وعدم التصريح بالظالم لمزيد السخط تحاشيا عن ذكره .
وإن الله على نصرهم لقدير .
39 .
- وعد لهم بالنصر وتأكيد لما مر من العدة وتصريح بأن المراد به ليس مجرد تخليصهم من أيدي المشركين بل تغليبهم وإظهارهم عليهم وقد أخرج الكلام على سنن الكبرياء فإن الرمزة والإبتسامة من الملك الكبير كافية في تيقن الفوز بالمطلوب وقد أوكد تأكيدا بليغا زيادة في توطين نفوس المؤمنين الذين أخرجوا من ديارهم في حيز الجر على أنه صفة للموصول قبل أو بيان له أو بدل منه أو في محل النصب على المدح أو في محل الرفع بإضمار مبتدأ والجملة مرفوعة على المدح والمراد الذين أخرجهم المشركون من مكة بغير حق مكتعلق بالإخراج أي أخرجوا بغير ما يوجب إخراجهم .
وجوز أن يكون صفة مصدر محذوف أي أخرجوا إخراجا كائنا بهذه الصفة واختار الطبرسكونه في موضع الحال أي كائنين بغير حق مترتب عليهم يوجب إخراجهم وقوله تعالى إلا أن يقولوا ربنا الله استثناء متصل من حق وأن وما بعدها في تأويل مصدر بدل منه لما في غير من معنى النفي وحاصل المعنى لا موجب لإخراجهم إلا التوحيد وهو إذا أريد بالموجب النفس الأمري على حد قول النابغة : ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وجوز أن يكون الإبدال من غير وفي أخرجوا معنى النفي أي لم يقرروا في ديارهم إلا بأن يقولوا الخ وهو وهو كما ترى وجوز أن يكون الإستثناء منقطعا وأوجبه أبو حيان أي ولكن أخرجوا بقولهم ربنا وأوجب نصب ما بعد إلا كما أوجبوه في قولهم : ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر ورد كونه متصلا وكون ما بعد إلا بدلا من حق بما هو أشبه شيء بالمغالطة ويفهم من كلامهم جواز أن تكون إلا بمعنى سوى صفة لحق أي أخرجوا بغير حق سوى التوحيد وحاصله أخرجوا بكونهم موحدين .
ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع تحريض على القتال المأذون فيه بإفادة أنه تعالى أجرى العادة بذلك في الأمم الماضية لينتظم به الأمر وتقوم الشرائع وتصان المتعبدات من الهدم فكأنه لما قيل اذن للذين يقاتلون الخ قيل فليقاتل المؤمنون فلو لا القتال وتسليط الله تعالى المؤمنين على المشركين في كل عصر وزمان لهدمت متعبداتهم ولذهبوا شذرمذر وقيل : المعنى لو لا دفع الله بعض الناس ببعض بتسليط مؤمني هذه الأمة على كفارها لهدمت المتعبدات المذكورة إلا أنه تعالى سلط المؤمنين على الكافرين فبقيت هذه المتعبدات بعضها للمؤمنين وبعضها لمن في حمايتهم من أهل الذمة وليس بذاك وقال مجاهد : أي لو لا دفع