الإبل وهي مضطجعة فكلوا منها وأطعموا القانع أي الراضي بما عنده وبما يعطى من غير مسئلة ولا تعرض لها وعليه حمل قول لبيد : فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ومنهم شقي بالعيشة قانع والمعتر أي المعترض للسؤال من اعتره إذا ترض له وتفسيرهما بذلك مروي عن ابن عباس وجماعة وقال محمد بن كعب ومجاهد وإبراهيم والحسن والكلبي : القانع الشائل كما في قول عدي بن زيد : وما خنت ذا عهد وأيت بعهده ولم أحرم المضطر إذا جاء قانعا والمعتر المعترض من غير سؤال فالقانع قيل على الأول من قنع يقنع كتعب يتعب قنعا إذا رضي بما عنده من غير سؤال وعلى الثاني من قنع يقنع كسأل يسأل لفظا ومعنى قنوعا وعلى ذلك جاء قول الشاعر : العبد حر إن قنع والحر عبد إن قنع فاقنع ولا تطمع فما شيء يشين سوى الطمع فلا يكون القانع على هذا من الإضداد لاختلاف الفعلين ونص على ذلك الخفاجي حاكما بتوهم من يقوله بخلافه وفي الصحاح نقل القول بأنه من الأضداد عن بعض أهل العلم ولم يتعقبه بشيء ونقل عنه أيضا أنه يجوز أن يكون السائل سمي قانعا لأنه يرضى بما يعطي قل أو كثر ويقبله ولا يرد فيكون معنى الكلمتين راجعا إلى الرضا وإلى كون قنع بالكسر بمعنى رضي وقنع بالفتح بمعنى سأل ذهب الراغب وجعل مصدر الأول قناعة وقناعا ومصدر الثاني قنوعا ونقل عن بعضهم أن أصل ذلك من القناع وهو ما يغطى به الرأس فقنع بالكسر لبس القناع ساترا لفقره كقولهم : خفى إذا لبس الخفاء وقنع إذا رفع قناعة كاشفا لفقره بالسؤال نحو خفى إذا رفع الخفاء وأريد كون القانع بمعنى الراضي بقراءة أبي رجاء القنع بوزن الحذر بناء على أنه لم يرد بمعنى السائل بخلاف القانع فإنه ورد بالمعنيين والأصل توافق القراءات وعن مجاهد القانع الجار وإن كان غنيا وأخرج ابن أبي شيبة عنه وعن ابن جبير أن القانع أهل مكة والمعتر سائر الناس وقيل : المعتر الصديق الزائر والذي اختاره من هذه الأقوال أولها .
وقرأ الحسن والمعتري اسم فاعل من اعتى وهو واعتر بمعنى وقرأ عمرو وإسماعيل كما نقل ابن خالوية المعتر بكسر الراء بدون ياء وروي ذلك المقري عن ابن عباس وجاء ذلك أيضا عن أبي رجاء وحذفت الياء تخفيفا منه واستغناء بالكسرة عنها واستدل بالآية على أن الهدى يقسم أثلاثا ثلث لصاحبه وثلث للقانع وثلث للمعتر وروي ذلك عن ابن مسعود وقال محمد بن جعفر رضي الله تعالى عنهما بقسمته أثلاثا أيضا إلا أنه قال : أطعم القانع والمعتر ثلثا والبائس الفقير ثلثا وأهلي ثلثا وفي القلب من صحته شيء .
وقال ابن المسيب : ليس لصاحب الهدى منه إلا الربع وكأنه عد القانع والمعتر والبائس الفقير ثلاثة وهو كما ترى قال ابن عطية : وهذا كله على وجه الإستحسان لا الفرض وكأنه أراد بالإستحان الندب فيكون قد حمل كلا الأمرين في الآية على الندب .
وفي التيسير أمر كلوا للإباحة ولو لم يأكل جاز وأمر أطعموا للندب ولو صرفه كله لنفسه لم يضمن شيئا وهذا في كل هدى نسك ليس بكفارة وكذا الأضحية وأما الكفارة فعليه التصدق بجميعها فما أكله