على كلا معنى السجود وضع الرأس والإنقياد وبيان فائدة تخصيص الكثير على الثاني ولا يخفى أن المتبادر من معتبرات كتب اللغة أن السجود حقيقة لغوية في الخضوع مطلقا وأن ما ذكره من حديث التغليب خلاف الظاهر وكذا حمل الإنقياد على ما ذكره وقد أخذ C تعالى كلا المعنيين من التوضيح وقد أسقط مما فيه ما عنه غنى وما زعم أنه من ضيق الطعن هو الذي ذهب إليه أكثر القوم وعليه يكون من الناس صفة كثير وأورد أنه حينئذ يرد أن سجود الطاعة المعروف لا يختص بكثير من الناس فإن كثيرا من الجن متصف به أيضا وكونهم غير مكلفين خلاف القول الأصح نعم يمكن أن يقال : إنهم لم يكونوا مأمورين بالسجود عند نزول الآية وعلى مدعيه البيان والقول بأنه يجوز أن يراد بالناس ما يعم الجن فإنه يطلق عليهم حسب إطلاق النفر والرجال عليهم ليس بشيء ومن الناس من أجاب عن ذلك بأن بسجد المقدر داخل في الرؤية وقد قالوا : المراد بها العلم والتعبير بها عنه للإشعار بظهور المعلوم وظهور السجود بمعنى الدخول تحت التسخير في الأشياء المنسوب هو إليها مما لا سترة عليها وكذا ظهوره بمعنى السجود المعروف في كثير من الناس وأما في الجن فليس كذلك فلذا وصف الكثير بكونه من الناس وتعقب بأن الخطاب في ألم تر لمن يتأتى منه ذلك ولا سترة في ظهور أمر السجود مطلقا بالنسبة إليه ورد بأن مراد المجيب أن سجود الجن ليس بظاهر في نفس الأمر ومع قطع النظر عن المخاطب كائنا من كان ظهور دخول الأشياء المذكورة أولا تحت التسخير بخلاف سجود كثير من الناس فإنه ظاهر ظهور ذلك في نفس الأمر فخص الكثير بسكونه من الناس ليكون الداخل في حيز الرؤية من صقع واحد من الظهور في نفس الأمر .
وقيل المقام يقتضي تكثير الرائين لما يذكر في حيز الرؤية والتخصيص أوفق بذلك فلذا خص الكثير بكونهم من الناس والكل كما ترى والأولى أن يقال : تخصيص الكثير من الناس بنسبة السجود بالمعنى المعروف إليهم على القول بأن كثيرا من الجن كذلك للتنويه بهم ولا يرد عليه ما مر لأنه لم يقرن بهم في هذا السجود غير العقلاء فتأمل وقيل : إن كثير مرفوع على الإبتداء حذف خبره ثقة بدلالة خبر قسميه عليه نحو حق الثواب ويفيد الكلام كثرة الفريقين والأول أولى لما فيه من الترغيب في السجود والطاعة للحق المعبود وجوز أن يكون كثير مبتدأ و من الناس خبره والتعريف فيه للحقيقة والجنس أي وكثير من الناس الذين هم الناس على الحقيقة وهم الصالحون المتقون وقال الراغب : قد يكون الناس ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوزا وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية وهو وجود العقل والذكر وسائر القوى المختصة به فإن كل شيء عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه والمخصص للمبتدأ النكرة أنه صفة محذوف بالحقيقة على أن المعادلة من المخصصات إذا قلت رجال مكرمون ورجال مهانون لأنه تفصيل مجمل فهو موصوف تقديرا ولأن كلا من المقابلين موصوف بمغايرة الآخر فهذا داخل في الوصف المعنوي وأن يكون كثيرا مبتدأ و من الناس صفته وقوله تعالى وكثير معطوف عليه وقوله سبحانه : حق عليه العذاب أي ثبت وتقرر خبر ويكون الكلام على حد قولك : عدني ألف وألف أي ألوف كثيرة ومثله شائع في كلامهم فيفيد كثرة من حق عليه العذاب من الناس وهذان الوجهان بعيدان وقال في البحر : ضعيفان .
والظاهر أن كثير الثاني مبتدأ والجملة بعده خبره وقد أقيمت مقام لا يسجد فكأنه قيل ويسجد كثير من