لكل ما فيهما بطريق القرار فيهما أو بطريق الجزئية منهما ويكون قوله تعالى : والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب إفرادا لها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها بحسب الظاهر في باديء النظر القاصر كما قيل أو لأنها قد عبدت من دون الله تعالى إما باعتبار شخصها أو جنسها فالشمس عبدتها حمير والقمر عبدته كنانة وعبد الدبران من النجوم تميم والشعري لخم وقريش والثريا طيء وعطاردا أسد والمرزم ربيعة وعبد اكثر العرب الأصنام المنحوتة من الجبال وعبدت غطفان العزي وهي سمرة واحدة السمر شجر معروف ومن الناس من عبد البقر وقرأ الزهري وابن وثاب الدواب بتخفيف الباء وخص ابن جني في المحتسب هذه القراءة بالزهري وقال : لا أعلم من خففها سواه وهو قليل ضعيف قياسا وسماعا لأن التقاء الساكنين على حده وعذره كراهة التضعيف ولذا قالوا في ظللت ظلت وقالوا جان بالتخفيف وذكر له نظائر كثيرة .
وقوله تعالى وكثير من الناس قيل مرفوع بفعل مضمر يدل عليه المذكور أي ويسجد له كثير من الناس سجود الطاعة المعروف واعترض بأنه صرح في المغنى بأن شرط الدليل اللفظي على المحذوف أن يكون طبقه لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا فقط فلا يجوز زيد ضارب وعمرو على أن خبر عمرو محذوف وهو ضارب من الضرب في الأرض أي مسافر والمذكور بمعناه المعروف وأجاب الخفاجي بأن ما ذكر غير مسلم لما ذكره النحاة من أن المقدر قد يكون لازما للمذكور نحو زيدا ضربت أي أهنت زيدا ولا يكون مشتركا كالمثال المذكور إلا أن يكون بينهما ملاءمه فيصح إذا اتحدا لفظا وكان من المشترك وبينهما ملازمة تدل على المقدر ولذا لم يصح المثال المذكور انتهى وعطفه بعضهم على المذكورات قبله وجعل السجود بالنسبة إليه بمعنى السجود المعروف وفيما تقدم بمعنى الدخول تحت التسخير أو الدلالة على عظمة الصانع جل شأنه .
واستدل بذلك على جواز استعمال المشترك في معنييه أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه والجواب ما علمت ولا يجوز العطف وجعل السجود في الجميع بمعنى الدخول تحت التسخير أو الدلالة على العظمة لأن ذلك عام لجميع الناس فلا يليق حينئذ ذكر كثير وغير العام إنما هو السجود بالمعنى المعروف فيفيد ذكر كثير إذا أريد أن منهم من لم يتصف بذلك وهو كذلك وما قيل : إنه يجوز أن يكون تخصيص الكثير على إرادة السجود العام للدلالة على شرفهم والتنويه بهم ليس بشيء إذ كيف يتأتى التنويه وقد قرن بهم غير العقلاء كالدواب وقال ابن كمال : تمسك من جوز حمل المشترك في استعمال واحد على أكثر من معنى بقوله تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض الآية بناء على أن المراد بالسجود المنسوب إلى غير العقلاء الإنقياد لتعذر السجود المعهود في حقه ومن المنسوب إليهم ما هو المعهود دون الإنقياد لأنه شامل للكل غير مخصوص بالكثير ولا متمسك لهم في ذلك لأن كلا من التعليلين في معرض المنع أما الأول فلأن حقيقة السجود وضع الرأس ولا تعذر في نسبته إلى غير العقلاء ولا حاجة إلى إثبات حقيقة الرأس في الكل لأن التغليب سائغ شائع وأما الثاني فلأن الكفار لا سيما المتكبرين منهم لا حظ لهم من الإنقياد لأن المراد منه الإطاعة بما ورد في حقه من الأمر تكليفيا كان أو تكوينيا على وجه ورد به الأمر وتقدير فعل آخر في هذا المقام من ضيق الطعن كما لا يخفى على أرباب الفطن انتهى وفيه القول بجواز العطف