جزئي الجملة لزيادة التأكيد كما في قول جرير : إن الخليفة إن الله سربله سربال ملك به تزجي الخواتيم وقيل : خبر إن الأولى محذوف أي مفترقون يوم القيامة أو نحو ذلك مما يدل عليه قوله سبحانه : إن الله يفصل بينهم الخ فإن قولك : إن زيدا إن عمرا يضربه رديء والبيت لا يتعين فيه جعل الجملة المقترنة بإن خبرا بل يجوز أن تكون معترضة والخبر جملة به تزجى الخواتيم ولا يخفى عليك بعد تسليم الرداءة أن الآية ليست كالمثال المذكور لطول الفاصل فيها قال في البحر : وحسن دخول إن في الجملة الواقعة خبرا في الآية طول الفصل بالمعاطيف وقال الزجاج : زعم قوم أن قولك : إن زيدا أنه قائم رديء وأن هذه الآية إنما صلحت بتقدم الموصول ولا فرق بين الموصول وغيره في باب إن وليس بين البصريين خلاف في أن إن تدخل على كل مبتدأ وخبر فعلى هذا لا ينبغي العدول عن الوجه المتبادر والمراد بالفصل القضاء أي إنه تعالى يقضي بين المؤمنين والفرق الخمس المتفقة على الكفر بإظهار المحق من المبطل وتوفية كل منهما حقه من الجزاء بإثابة المؤمنين وعقاب الفرق الآخرين بحسب استحقاق أفراد كل منهما وقيل : المراد أنه تعالى يفصل بين الفرق الست في الأحوال والأماكن جميعا فلا يجازيهم جزاء واحد بلا تفاوت بل يجزي المؤمنين بما يليق واليهود بما يليق بهم وهكذا لا يجمعهم في موطن واحد بل يجعل المؤمنين في الجنة وكلا من الفرق الكافرة في طبقة من طبقات النار وقوله تعالى : إن الله على كل شيء شهيد .
17 .
- تعليل لما قبله من الفصل أي أنه تعالى عالم بكل شيء من الأشياء ومراقب لأحواله ومن قضيته الإحاطة بتفاصيل ما صدر عن كل فرد من أفراد الفرق المذكورة وإجراء جزائه اللائق به عليه وقوله تعالى : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض الخ بيان لما يوجب الفصل المذكور من أعمال الفرق مع الإشارة إلى كيفيته وكونه بطريق التعذيب والإثابة والإكرام والإهانة وجوز أن يكون تنويرا لكونه تعالى شهيدا على كل شيء وقيل : هو تقريع على اختلاف الكفرة واستبعاد له لوجوب الصارف والمراد بالرؤية العلم والخطاب لكل من يتأتى منه ذلك والمراد بالسجود دخول الأشياء تحت تسخيره تعالى وإرادته سبحانه وقابليتها لما يحدث فيها D وظاهر كلام الآدمي أنه معنى حقيقي للسجود وفي مفردات الراغب السجود في الأصل التظامن والتذلل وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله تعالى وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد وذلك ضربان باختيار يكون للإنسان وبه يستحق الثواب وسجود بتسخير يكون للإنسان وغيره من الحيوان والنباتات وخص في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة وما جرى مجراه من سجود التلاوة وسجود الشكر انتهى .
وذكر بعضهم أنه كما خص في الشريعة بذلك خص في عرف اللغة به وقال ابن كمال : أن حقيقته على ما نص عليه في المجمل وصع الرأس وقال العلامة الثاني : حقيقته وضع الجبهة لا الرأس حتى لو وضع الرأس من جانب القفا لم يكن ساجدا وعلى هذين القولين على علامتهما قيل السجود هنا مجاز عن الدخول تحت تسخيره تعالى والإنقياد لإرادته سبحانه وجوز أن يكون مجازا عن دلالة لسان حال الأشياء بذلتها وافتقارها على صانعها وعظمته جلت عظمته ووجه التنوير على هذا ظاهر وكذا التقريع على الإختلاف و من إما خاصة بالعقلاء وإما عامة لهم ولغيرهم بطريق التغليب وهو الأولى لأنه الأنسب بالمقام لإفادته شمول الحكم