وإنك لا تعطي أمرا فوق حقه ولا تملك الشيء الذي انت ناصره أي معطيع وكأنه مستعار من النصر بمعنى العون فالمعنى أن الأرزاق بيد الله تعالى لا تنال إلا بمشيئته فلا بد للعبد من الرضا بقسمته فمن ظن أن الله تعالى غير رازقه ولم يصبر ولم يستسلم فليبلغ غاية الجزع وهو الإختناق فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يرده مرزوقا والغرض من الحث على الرضا بما قسم الله تعالى لا كمن يعبده على حرف وكأنه سبحانه لما ذكر المؤنين عقيبهم على ما مر حذرهم عن مثل حالهم لطفا في شأنهم ولا يخلو عن بعد وإن كان ربط الأمية بما قبلها عليه قريبا وقيل : الضمير لمن والنصر المتبادر منه والمعنى من كان يظن أن لن ينصره الله تعالى فيغتاظ لانتفاء نصره فليحتل بأعظم حيلة في نصر الله تعالى إياه وليستفرغ جهده في إيصال النصر إليه فلينظر هل يذهبن ذلك ما يغيظه من انتفاء النصر ولا يخفى ما في وجه الربط على هذا من الخفاء .
ومن كما أشرنا إليه شرطية وجوز أن تكون موصولة والفاء في خبرها لتضمنها معنى الشرط وهل يذهبن في حل نصب بينظر وذكر أنه على إسقاط الخافظ وقرأ البصريون وابن عامر وورش ثم ليقطع بكسر لام الأمر والباقون بسكونها على تشبيه ثم بالواو والفاء لأن الجميع عواطف وكذلك أي مثل ذلك الإنزال البديع المنطوي على الحكم البالغة أنزلناه أي القرآن الكريم كله آيات بينات واضحات الدلالة على معانيها الرائقة فالمشار إليه الإنزال المذكور بعد اسم الإشارة ويجوز أن يكون المراد إنزال الآيات السابقة وأياما كان ففيه أن القرآن الكريم في جميع أبوابه كامل البيان لا في أمر البعث وحده ونصب آيات على الحال من الضمير المنصوب وقوله تعالى وأن الله يهدي من يريد .
16 .
- بتقدير اللام وهو متعلق بمحذوف يقدر مؤخرا إفادة للحصر الإضافي أي ولأن الله تعالى يهدي بعد ابتداء أو يثبت على الهدى أو يزيد فيه من يريد هدايته أو ثباته أو زيادته فيها أنزله كذلك أو في تأويل مصدر مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي والأمر أن الله يهدي الخ .
وجوز أن يكون معطوفا على محل مفعول أنزلناه أي وأنزلنا أن الله يهدي الخ إن الذين آمنوا أي بما ذكر من المنزل بهداية الله تعالى أو بكل ما يجب أن يؤمن به ويدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا والذين هادوا والصابئين هم على ما أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرءون الزبور وفي القاموس هم قوم يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام وقبلتهم من مهب الشمال عند منتصب النهار وفي كتاب الملل والنحل للشهرستاني أن الصابئة كانوا على عهد إبراهيم عليه السلام ويقال لمقابليهم الحنفاء وكانوا يقولون : إنا نحتاج في معرفة الله تعالى ومعرفة طاعته وأمره وأحكامه جل شأنه إلى متوسط روحاني لا جسماني .
ومدار مذاهبهم على التعصب للروحانيات وكانوا يعظمونها غاية التعظيم ويتقربون إليها ولما لم يتيسر لهم التقرب إلى أعيانها والتقى منها بذواتها فزعت جماعة إلى هياكل وهي السبع السيارات وبعض الثوابت فمصابئة الروم مفزعها السيارات وصابئة الهند مفزعها الثوابت وربما نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئا والفرقة الأولى هم عبدة الكواكب والثانية هم عبدة الأصنام وقد أفحم