مبتدأ خبره الجار والمجرور والمراد بالحق هو الثابت الذي يحق ثبوته لا محالة لكونه لذاته لا الثابت مطلقا فوجه الحصر ظاهر أي ما ذكر من الصنع البديع حاصل بسبب أنه تعالى هو الحق وحده في ذاته وصفاته وأفعاله المحقق لما سواه من الأشياء وأنه يحيي الموتى أي شأنه وعادته تعالى شأنه إحياء الموتى وحاصله أنه تعالى قادر على إحيائها بدءا وإعادة وإلا لما أحيا النطفة والأرض المبتة مرة بعد مرة وما تفيده صيغة المضارع من التجدد إنما باعتبار تعلق القدرة ومتعلقها لا باعتبار نفسها لأن القدم الشخصي ينافي ذلك .
وأنه على كل شيء قدير .
6 .
- أي مبالغ في القدرة وإلا لما أوجد هذه الموجودات الفاتنة للحصر التي من جملتها ما ذكر وتخصيص إحياء الموتى بالذكر مع كونه من جملة الأشياء المقدور عليها للتصريح بما فيه النزاع والدفع في نحو المنكرين وتقديمه لإبراز الإعتنار به وأن الساعة آتية أي سيأتي والتعبير بذلك دون الفعل للدلالة على تحقيق إتيانها وتقرره البتة لاقتضاء الحكمة إياه لا محالة وقوله تعالى لا ريب فيها إما خبر ثان لآن أو حال من ضمير الساعة في الخبر ومعنى نفي الريب عنها أنها في ظهور أمرها ووضوح دلائلها بحيث ليس فيها مظنة أن يرتاب في إتيانها .
وأن ما بعدها في تأويل مصدر عطف على المصدر المجرور بباء السببية داخل معه في حيزها كالمصدرين الحاصلين من قوله تعالى : وأنه يحيي الموتى وقوله سبحانه وأنه على كل شيء قدير وكذا قوله D : وأن الله يبعث من في القبور .
8 .
- لكن لا من حيث أن إتيان الساعة وبعث من في القبور مؤثر أن فيما ذكر من أفاعيله تعالى تأثير القدرة فيها بل من حيث أن كلا منهما بسبب داع له D بموجب رأفته بالعبادة المبنية على الحكم البالغة إلى ما ذكر من خلقهم ومن إحياء الأرض الميتة على نمط بديع صالح للإستشهاد به على إمكانهما ليتأملوا في ذلك ويستدلوا به عليه أو على وقوعهما ويصدقوا بذلك لينالوا السعادة الأبدية ولو لا ذلك لما فعل بل لما خلق العالم رأسا وهذا كما ترى من أحكام حقيته تعالى في أفعاله وابتنائها على الحكم الباهرة كما أن ما قبله من أحكام حقيته تعالى في صفاته وكونها في غاية الكمال هذا ما اختاره العلامة أبو السعود في تفسير ذلك وهو مما يميل إليه الطبع السليم وجعل صاحب الكشاف الإشارة إلى ما ذكر أيضا إلا أنه بحسب الظاهر جعل إتيان الساعة وبعث من في القبور حيث إن ذلك من روادف الحكمة كناية عنها فكأن الأصل ذلك حاصل بسبب أن الله تعالى هو الحق الثابت الموجود وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وأنه حكيم فاكتفى بمقتضى الحكمة عن الوصف لما في الكناية من النكتة خصوصا والكلام مع منكري البعث للدفع في نحورهم ولا يخلو عن بعد ونقل النيسابوري عبارة الكشاف واعترضها بما لا يخفى رده وأبدى وجها في الآية ذكر أنه مما لم يخطر لغيره ورجا أن يكون صوابا وهو مع اقتضائه حمل الباء على ما يعم السببية الفاعلية والسببية الغائية مما لا يخفى ما فيه وقيل : ذلك إشارة إلى ما ذكر إلا أن قوله تعالى وأن الساعة آتية الخ ليس معطوفا على المجرور بالباء ولا داخلا في حيز السببية بل هو خبر والمبتدأ محذوف لفهم المعنى والتقدير والأمر أم الساعة آتية الخ وعليه اقتصر أبو حيان وفيه قطع للكلام على الإنتظام وقيل : ذلك إشارة إلى ما ذكر إلا أن الباء صلة لكون خاص وليست سببية أي مشعر بأن الله هو الحق الخ وفيه أنه لا قرينة على هذا الكون الخاص