أسوؤها وتغيير العبارة لذلك ومن ثم نسب الإخراج إلى ذاته تعالى المقدسة وحذف المعلل في الثاني ولم ينسب الثالث إلى فاعله وسلب فيه ما أثبت للإنسان في تلك الحالة من اتصافه بالعلم والقدرة الموميء إليه بالأشد كأنه قيل ثم يخرجكم من تلك الأطوار الخسيسة طفلا أنشأ غريبا كما قال سبحانه فتبارك الله أحسن الخالقين ثم لتبلغوا أشدكم دبر ذلك التدبير العجيب لأنه أوان رسوخ العلم والمعرفة والتمكن من العمل المقصودين من الإنشاء ثم يميتكم أو يردكم إلى أرذل العمر الذي يسلب فيه العلم والقدرة على العمل أه .
ويفهم منه جواز أن يكون المراد ومنكم من يتوفى بعد بلوغ الأشد ومن الناس من جوز أن يكون المراد ومنكم من يتوفى عند البلوغ وقيل : إن ذلك يجعل الجملة حالية ومن صيغة المضارع وهو كما ترى وقريء يتوفى على سيغة المعلوم وفاعله ضمير الله تعالى أي من يتوفاه الله تعالى وجوز أن يكون ضمير من أي من يستوفي مدة عمره وروي عن أبي عمرو ونافع تسكين ميم العمر هذا ثم لا يخفى ما في اختلاف أحوال الإنسان بعد الإخراج من الرحم من التنبيه على صحة البعث كما في اختلافهما قبل فتأمل جميع ما ذكر ولله تعالى در التنزيل ما أكثر احتمالاته وترى الأرض هامدة حجة أخرى على صحة البعث معطوفة على إنا خلقناكم وهي حجة آفاقية وما تقدم حجة أنفسية والخطاب لكل أحد من تتأتى منه الرؤية وقيل : للمجادل وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والإستمرار وهي بصرية لا عملية كما قيل و هامدة حال من الأرض أي ميتة يابسة يقال همدت الأرض إذا يبست ودرست وهمد الثوب إذا بلى وقال الأعشى : قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا وأصله من همدت النار إذا صارت رمادا فإذا أنزلنا عليها الماء أي ماء المطر وقيل : ما يعممه وماء العيون والأنهار وظاهر الإنزال يقتضي الأول اهتزت تحرك نباتها فالإسناد مجازي أو تخلخلت وانفصل بعض أجزائها عن بعض لأجل خروج النبات وحمل الإهتزاز على الحركة في الكيف بعيد وربت ازدادت وانتفخت لما يتداخلها من الماء والنبات .
وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر وخالد بن الياس وأبو عمرو في رواية وربأت بالهمز أي ارتفعت يقال فلأن يربأ بنفسه عن كذا أي يرتفع بها عنه وقال ابن عطية : هو من ربأت القوم إذا علوت شرفا من الأرض طليعة عليهم فكأن الأرض بالماء تتطاول وتعلو وأنبتت من كل زوج أي صنف بهيج .
5 .
- حسن سار للناظر ذلك بأن الله هو الحق كلام مستأنف جيء به أثر تحقيق حقية البعث وإقامة البرهان عليه على أتم وجه لبيان أن ما ذكر من خلق الإنسان على أطوار مختلفة وتصريفه في أحوال متباينة وإحياء الأرض بعد موتها الكاشف عن حقية ذلك من آثار ألوهيته تعالى وأحكام شؤنه الذاتية والوصفية والفعلية وأن ما ينكرونه من إتيان الساعة والبعث من أسباب تلك الآثار العجيبة المعلومة لهم ومبادي صدورها عنه تعالى وفيه من الإيذان بقوة الدليل وأصالة المدلول في التحقق وإظهار بطلان إنكاره ما لا يخفى فإن إنكار تحقق السبب مع الجزم يتحقق المسبب مما يقضي ببطلانه بديهة العقول فذلك إشارة إلى خلق الإنسان على أطوار مختلفة وما معه والإفراد باعتبار المذكور وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الكمال وهو