على الخلاف في عموم بعثته صلى الله عليه وسلّم لهم فإذا قلنا بالعموم كما رجحه من الشافعية البارزي وتقي الدين السبكي والجلال المحل في خصائصه ومن الحنابلة ابن تيمية وابن حامد وابن مفلح في كتاب الفروع ومن المالكية عبد الحق قلنا بشمول العلمين لهم هنا وكونه A أرسل رحمة بالنسبة إليهم لأنه جاء E أيضا بما فيه تكليفهم من الأوامر والنواهي وإن لم نعلم ما هنا ولا شك أن في امتثال المكلف ما كلف به نفعا له وسعادة وإن قلنا بعدم العموم كما جزم به الحليمي والبيهقي والجلال المحلي في شرح جمع الجوامع وزين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح من الشافعية ومحمود بن حمزة في كتابه العجائب والغرائب من الحنفية بل نقل البرهان النسفي والفخر الرازي في تفسيريهما الإجماع عليه وإن لم يسلم قلنا بعدم شموله لهم هنا وإرادة من عداهم منه وقيل : هم داخلون هنا في العموم وإن لم نقل ببعثته صلى الله تعالى عليه وسلم إليهم لأنهم وقفوا بواسطة إرسال E على جمة أسرار عظيمة مما أودع في كتابه الذي فيه بناء ما كان وما يكون عبارة وإشارة وأي سعادة أعظم من التحلي بزينة العلم وكونهم عليهم السلام لا يجهلون شيئا مما لم يذهب إليه أحد من المسلمين وقيل : لأنهم أظهر من فضلهم على لسانه الشريف ما أظهر .
وقال بعضهم : إن الرحمة في حق الكفار أمنهم ببعثته A من الخسف والمسخ والقذف والإستئصال وأخرج ذلك الطبراني والبيهقي وجماعة عن ابن عباس وذكر أنها في حق الملائكة عليهم السلام الأمن من نحو ما ابتلي به هاروت وماروت وأريد بما ذكره صاحب الشفاء أن النبي A قال لجبريل عليه السلام : هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال : نعم كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله تعالى علي في القرآن بقوله سبحانه ذي قوة عند ذي العرش مكين وإذا صح هذا الحديث لزم القول بشمول العالمين للملائكة عليهم السلام إلا أن الجلال السيوطي ذكر في تزيين الأرائك أنه لم يوقف له على إسناد وقيل المراد بالعالمين جميع الخلق فإن العالم ما سوى الله تعالى وصفاته جل شأنه وجمع جمع العقلاء تغليبا للإشراف على غيره .
وكونه A رحمة للجميع باعتبار أنه E واسطة الفيض الإلهي على الممكنات على حسب القوابل ولذا كان نوره A أول المخلوقات ففي الخبر أول ما خلق الله تعالى نور نبيك يا جابر وجاء الله تعالى المعطي وأنا القاسم وللصوفية قدست أسرارهم في هذا الفصل كلام فوق ذلك وفي مفتاح السعادة لابن القيم أنه لو لا النبوات لم يكن في العالم علم نافع البتة ولا عمل صالح ولا صلاح في معيضة ولا قوام لمملكة ولكان الناس بمنزلة البهائم والسباع العادية والكلاب الضارية التي يعدو بعضها على بعض وكل خير في العالم فمن آثار النبوة وكل شر وقع في العالم أو سيقع فبسبب خفاء آثار النبوة ودروسها فالعالم جسد روحه النبوة ولا قيام للجسد بدون روحه ولهذا إذا انكسفت شمس النبوة من العالم ولم يبق في الأرض شيء من آثارها البتة انشقت سماؤه وانتشرت كواكبه وكورت شمسه وخسف قمره ونسفت جباله وزلزلت أرضه وأهلك من عليها فلا قيام للعالم إلا بآثار النبوة أه وإذا سلم هذا علم منه بواسطة كونه A أكمل النبيين وما جاء به أجل مما جاؤا به عليهم السلام وإن لم يكون في الأصول اختلاف وجه كونه E أرسل رحمة للعالمين أيضا لكن لا يخلو ذلك عن بحث .
وزعم بعضهم أن العالمين هنا خاص بالمؤمنين وليس بشيء ولواحد من الفضلاء كلام طويل في هذه الآية الكريمة نقض فيه وأبرم ومنع وسلم ولا أرى له منشأ سوى قلة الإطلاع على الحق الحقيق بالإتباع