الآية ذكرت عقيب ذكر الإعادة وليس بعد الإعادة أرض يستقر بها الصالحون ويمتن بها عليهم سوى أرض الجنة وروي هذا القول عن مجاهد وابن جبير وعكرمة والسدي وأبي العالية وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بها أرض الدنيا يرثها المؤمنون ويستولون عليها وهو قول الكلبي وأيد بقوله تعالى : ليستخلفنهم في الأرض .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وهذا وعد منه تعالى بإظهار الدين وإعزاز أهله واستيلائهم على أكثر المعمورة التي يكثر تردد المسافرين إليها وإلا فمن الأرض مالم يطأها المؤمنون كالأرض الشهيرة بالدنيا الجديدة وبالهند الغربي وإن قلنا بأن جميع ذلك يكون في حوزة المؤمنين أيام المهدي رضي الله تعالى عنه ونزول عيسى عليه السلام فلا حاجة إلى ما ذكر وقيل : المراد بها الأرض المقدسة وقيل : الشأم ولعل بقاء الكفار وحدهم في الأرض جميعها في آخر الزمان كما صحت به الأخبار لا يضر في هذه الوراثة لما أن بين استقلالهم في الأرض حينئذ وقيام الساعة زمنا يسيرا لا يعتد به وقد عد ذلك من المباديء القريبة ليوم القيامة والأولى أن تفسر الأرض بأرض الجنة كما ذهب إليه الأكثرون وهو أوفق بالمقام .
ومن الغرائب قصة تفاؤل السلطان سليم بهذه الآية حين أضمر محاربته للغورى وبشارة ابن كمال له أخذا مما رمزت إليه الآية بملكه مصر في سنة كذا ووقوع الأمر كما بشر وهي قصة شهيرة وذلك من الأمور الإتفاقية ومثله لا يعول عليه إن في هذا أي فيما ذكر في هذه السورة الكريمة من الأخبار والمواعظ البالغة والوعد والوعيد والراهين القاطعة الدالة على التوحيد وصحة النبوة وقيل : الإشارة إلى القرار كله لبلاغا أ كفاية أو سبب بلوغ البغية أو نفس البلوغ إليها على سبيل المبالغة لقوم عابدين .
106 .
- أي لقوم هممهم العبادة دون العادة وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنهم الذين يصلون الصلوات الخمس بالجماعة .
وأخرج ابن مردوية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ فقال : هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة وضمير هي للعبادة المفهومة من عابدين وقال أبو هريرة ومحمد بن كعب ومجاهد : هي الصلوات الخمس ولم يقيدوا بشيء وعن كعب الأحبار تفسيرها بصيام شهر رمضان وصلاة الخمس والظاهر العموم وأن ما ذكر من باب الإقتصار على بعض الأفراد لنكتة وما أرسلناك بما ذكر وبأمثاله من الشرائع والأحكام وغير ذلك مما هو مناط لسعادة الدارين إلا رحمة للعالمين .
107 .
- استثناء من أعم العلل أي وما أرسلناك بما ذكر لعلة من العلل إلا لترحم العالمين بإرسالك أو من أعم الأحوال أي وما أرسلناك في حال من الأحوال إلا كونك رحمة أو ذا رحمة أو راحما ببيان ما أرسلت به والظاهر أن المراد بالعالمين ما يشمل الكفار ووجه ذلك عليه أنه E أرسل بما هو سبب لسعادة الدارين ومصلحة النشأتين إلا أن الكافر فوت على نفسه الإنتفاع بذلك وأعرض لفساد استعداده عما هنالك فلا يضر ذلك في كونه صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل رحمة بالنسبة إليه أيضا كما لا يضر في كون العير العذبة مثلا نافعة عدم انتفاع الكسلان بها لكسله وهذا ظاهر خلافا لمن ناقش فيه وهل يراد بالعالمين ما يشمل الملائكة عليهم السلام أيضا فيه خلاف مبني