قبله والغوص والدخول تحت الماء وإخراج شيء منه ولما كان الغائص يغوص لنفسه ولغيره قيل له للإيذان بأن الغوص ليس لأنفسهم بل لأجله عليه السلام وقد كان عليه السلام يأمرهم فيغوصون في البحار ويستخرجون له من نفائسه وبعملون له عملا كثيرا دون ذلك أي غير ما ذكر من بناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة لقوله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل الآية قيل : إن الحمام والنورة والطاحون والقوارير والصابون من أعمالهم وذكر ذلك الإمام الرازي في التفسير لكن في كون الصابون من أعمالهم خلافا ففي التذكرة الصابون من الصناعة القديمة قيل وجد في كتب هرمس وأندوخيا وهو الأظهر وقيل : من صناعة بقراط وجالينوس انتهى وقيل هو من صناعة الفارابي وأول ما صنعه في دمشق الشام ولا يصح ذلك وما اشتهر أن أول من صنعه البوني فمن كذب العوام وخرافاتهم ثم هؤلاء إما الفرقة الأولى أو غيرها لعموم كلمة من كأنه قيل : ومن يعملون والشياطين أجسام نارية عاقلة وحصول القدرة على الأعمال الشاقة في الجسم اللطيف غير مستبعد فإن ذلك نظير قلع الهواء الأجسام الثقيلة إنه سبحانه كثف أجسامهم خاصة وقواهم وزاد في عظمهم ليكون ذلك معجزة لسليمان عليه السلام فلما توفى ردهم إلى خلقتهم الأولى لئلا يفضي إبقاؤهم إلى تلبيس المتنبي وهو كلام ساقط على درجة القبول كما لا يخفى .
والظاهر أن المسخرين كانوا كفارا لأن لفظ الشياطين أمثر إطلاقا عليهم وجاء التنصيص عليه في بعض الروايات ويؤيده قوله تعالى وكنا لهم حافظين .
82 .
- أي من أن يزيغوا عن أمره أو يفسدوا وقال الزجاج : كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوه بالنهار وقيل حافظين لهم من أن يهيجوا أحدا والأنسب بالتذييل ما تقدم وذكر في حفظهم أنه وكل بهم جمعا من الملائكة عليهم السلام وجمعا من مؤمني الجن هذا وفي قصتي داود وسليمان عليهما السلام ما يدل على عظم قدرة الله تعالى .
قال الإمام : وتسخير أكثف الأجسام لداود عليه السلام وهو الحجر إذ أنطقه الله تعالى بالتسبيح والحديد إذ لانه سبحانه له وتسخير ألطف الأجسام لسليمان عليه السلام وهو الريح والشياطين وهم من نار وكانوا يغوصون في الماء فلا يضرهم دليل واضح على باهر قدرته سبحانه وإظهار الضد من الضد وإمكان إحياء العظم الرميم وجعل التراب اليابس حيوانا فإذا أخبر الصادق بوقوعه وجب قبوله واعتقاده وأيوب الكلام فيه كما مر في قوله تعالى وداود وسليمان إذ نادى ربه أني أي بأني مسني الضر وقرأ عيسى بن عمر بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين أي قائلا إني ومذهب الكوفيين إجراء نادى مجرى قال والضر بالفتح شائع في كل ضرر وبالضم خاص بما في النفس من مرض وهزال ونحوهما وأنت أرحم الراحمين .
83 .
- أي وأنت أعظم رحمة من كل من يتصف بالرحمة في الجملة وإلا فلا راحم في الحقيقة سواه جل شأنه وعلاه ولا يخفى ما في وصفه تعالى بغاية الرحمة بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها مكتفيا بذلك عن عرض الطلب من استمطار سحائب الرحمة على ألف وجه .
ويحكى في التلطف في الطلب أن امرأة شكت إلى بعض ولد سعد بن عبادة قلة الفار في بيتها فقال : املؤا بيتها خبزا وسمنا ولحما وهو عليه السلام على ما قال ابن جرير : ابن أموص بن رزاح بن عيص بن إسحاق وحكى ابن عساكر