الشام كما أخرج ابن عساكر عن السدي وكان عليه السلام مسكنه فيها فالمراد أنها تجري بأمره إلى الشام رواحا بعد ما سارت به منها بكرة ولشيوع كونه عليه السلام ساكنا في تلم الأرض لم يذكر جريانها بأمره منها واقتصر على ذكر جريانها إليها وهو أظهر في الإمتنان وقيل كان مسكنه اصطخر وكان عليه السلام يركب الريح منها فتجري بأمره إلى الشام .
وقيل : يحتمل أن تكون الأرض أعم من الشام ووصفها بالبركة لأنه عليه السلام إذا حل أرضا أمر بقتل كفارها وإثبات الإيمان فيها وبث العدل ولا بركة أعظم من ذلك ويبعد أن المتبادر كون تلك الأرض مباركا فيها قبل الوصول إليها وما ذكر يقتضي أن تكون مباركا فيها من بعد وأبعد جدا منذر بن سعيد بقوله إن الكلام قد تم عند قوله تعالى : إلى الأرض والتي باركنا فيها صفة للريح وفي الآية تقديم وتأخير والأصل ولسليمان الريح التي باركنا فيها عاصفة تجري بأمره بل لا يخفى أنه لا ينبغي أن يحمل كلام الله تعالى العزيز على مثل ذلك وكلام أدنى البلغاء يجل عنه ثم الظاهر أن المراد بالريح هذا العنصر المعروف العام لجميع أصنافه المشهورة وقيل : المراد بها الصبا .
وفي بعض الأخبار ما ظاهره ذلك فعن مقاتل أنه قال نسجت لسليمان عليه السلام الشياطين بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ ووضعت له منبرا من ذهب يقعد عليه وحوله كراسي من ذهب يقعد عليها الأنبياء عليهم السلام وكراسي من فضة يقعد عليها العلماء وحولهم سائر الناس وحول الناس الجن والشياطين والطير تظله من الشمس وترتع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ومن الرواح إلى الصباح .
وما ذكر من أنه يحمل على البساط هو المشهور ولعل ذلك في بعض الأوقات وإلا فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال كان لسليمان عليه السلام مركب من خشب وكان فيه ألف ركن في كل ركن ألف بيت يركب معه فيه الجن والإنس تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك المركب فإذا ارتفع أتت الريح الرخاء فسارت به فساروا معه فلا يدري القوم إلا وقد أظلهم منه الجيوش والجنود وقيل في وجه الجمع : إن البساط في المركب المذكور وليس بذاك .
وذكر عن الحسن أن إكران الله تعالى لسليمان عليه السلام بتسخير الريح لما فعل بالخيل حين فاتته بسببها صلاة العصر وذلك أنه تركها لله تعالى فعوضه الله سبحانه خيرا منها من حيث السرعة مع الراحة ومن العجب أن أهل لندن قد اتبعوا أنفسهم منذ زمان يعمل سفينة تجري مرتفعة في الهواء إلى حيث شاؤا بواسطة أبخرة يحبسونها فيها اغترارا بما ظهر منذ سنوات من عمل سفينة تجري في الماء بواسطة آلات تحركها ابخرة فيها فلم يتم لهم ذلك ولا أظنه يتم حسب إرادتهم على الوجه الأكمل وأخبرني بعض المطلعين أنهم صنعوا سفينة تجري في الهواء لكن لا إلى حيث شاؤا بل إلى حيث ألقت رحلها وكنا بكل شيء عالمين .
81 .
- فما أعطيناه ما أعطينا إلا لما نعلمه من الحكمة ومن الشياطين أي وسخرنا له من الشياطين من يغوصون له فمن هذا موضع نصب لسخرنا وجوز أن تكون في موضع رفع على الإبتداء وخبره ما قبله وهي على الوجهين على ما استظهره أبو حيان موصوله وعلى ما اختاره جمع نكرة موصوفة ووجه اختيار ذلك على الموصولية أنه لا عهد هنا وكون الموصول قد يكون للعهد الذهني خلاف الظاهر وجيء بضمير الجمع نظرا للمعنى وحسنه تقدم جمع