لا ينقض بالإجتهاد البتة فدل على أنهما جميعا حكما بالوحي ويكون ما أوحي به لسليمان عليه السلام ناسخا لحكم داود عليه السلام أو كان حكم سليمان وحده بالوحي وقوله تعالى ففهمناها لا يدل على أن ذلك اجتهاد .
وتعقب بأنه إن أراد نقض الإجتهاد بالإجتهاد عدم نقضه باجتهاد غيره حتى يلزم تقليده به فليس ما نحن فيه وإن أراد عدم نقضه باجتهاد نفسه ثانيا وهو عبارة عن تغير اجتهاده لظهور دليل آخر فهو غير باطل بدليل أن المجتهد قد ينقل عنه مسئلة قولان كمذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه القديم والجديد ورجوع كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى آراء بعضهم وهم مجتهدون وقيل : يجوز أن يكون أوحى إلى داود عليه السلام أن يرجع عن اجتهاده ويقضي بما قضى به سليمان عليه السلام عن اجتهاد وقيل : إن عدم نقض الإجتهاد بالإجتهاد من خصائص شريعتنا على أنه ورد في بعض الأخبار أن داود عليه السلام لم يكن بت الحكم في ذلك حتى سمع من سليمان عليه السلام ما سمع وممن اختار كون كلا الحكمين عن اجتهاد شيخ الإسلام مولانا أبو السعود قدس سره ثم قال : بل أقول والله تعالى أعلم : إن رأى سليمان عليه السلام استحسان كما ينبيء عنه قوله : أرفق بالجانبين ورأى داود عليه السلام قياس كما أن العبد إذا جني على النفس يدفعه المولى عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه إلى المجني عليه أو يفيده ويبيعه في ذلك أو يفديه عند الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه .
وقد روي أنه لم يكن بين قيمة الحرث وقيمة الغنم تفاوت وأما سليمان عليه السلام فقد استحسن حيث جعل الإنتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الإنتفاع بالحرث من غير أن يزول ملك المالك من الغنم وأوجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث إلى أن يزول الضرر الذي آتاه من قبله كما قال بعض أصحاب الشافعي فيمن غصب عبدا فأبق منه إنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه بإزاء ما فوته الغاصب من المنافع فإذا ظهر الآبق ترادا انتهى .
وأما حكم المسئلة في شريعتنا فعند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لا ضمان إذا لم يكن معها سائق أو قائد لما روى الشيخان من قوله صلى الله عليه وسلّم جرح العجماء جبار ولا تقييد فيه بليل أو نهار وعند الشافعي يجب الضمان ليلا لا نهارا لما في السنن من أن ناقة البراء دخلت حائط رجل فأفسدته فقضي رسول الله A على أهل الأموال بحفظها بالنهار وعلى أهل المواشي بحفظها بالليل .
وأجيب بأن في الحديث اضطرابا وفي رجال سنده كلاما مع أنه يجوز أن يكون البراء أرسلها كما يجوز في هذه القصة أن يكون كذلك فلا دليل فيه وكلا من داود وسليمان آتينا ه حكما وعلما كثيرا ومنه العلم بطريق الإجتهاد لا سليمان عليه السلام وحده فالجملة لدفع هذا التوهم وفيها دلالة على أن خطأ المجتهد لا يقدح في كونه مجتهدا وقيل : إن الآية دليل على أن كل مجتهد في مسئلة لا قاطع فيها مصيب فحكم الله تعالى في حقه وحق مقلده ما أدى إليه اجتهاده فيها ولا حكم له سبحانه قبل الإجتهاد وهو قول جمهور المتكلمين منا كالأشعري والقاضي ومن المعتزلة كأبي الهذيل والجبائي وأتباعهم ونقل عن الأئمة الأربعة رضي الله تعالى عنهم القول بتصويب كل مجتهد والقول بوحده الحق وتخطئة البعض وعد في الأحكام الأشعري ممن يقول كذلك ورد بأن الله تعالى خصص سليمان بفهم الحق في الواقعة بقوله سبحانه ففهمناها سليمان