وأخرج جماعة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه الكرم وقيل : إنه يقال فيهما إلا أنه في الزرع أكثر وقال الخفاجي : لعله بمعنى الكرم مجاز على التشبيه بالزرع والمعنى إذ يحكمان في حق الحرث إذ نفشت ظرف للحكم والنفش رعي الماشية في الليل بغير راع كما أن الهمل رعيها في النهار كذلك وكان أصله الإنتشار والتفرق أي إذ تفرقت وانتشرت فيه غنم القوم ليلا بلا راع فرعته وأفسدته وكنا لحكمهم شاهدين .
78 .
- أي حاضرين علما وضمير الجمع قيل : لدواود وسليمان ويؤيده قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لحكمهما بضمير التثنية واستدل بذلك من قال : إن أقل الجمع اثنان وجوز أن يكون الجمع للتعظيم كما في رب ارجعون .
وقيل : هو للحاكمين والمتحاكمين واعترض بأن إضافة حكم إلى الفاعل على سبيل القيام وإلى المفعول على سبيل الوقوع وهما في المعنى معمولان له فكيف يصح سلكهما في قرن وأجيب بأن الحكم في معنى القضية لا نظر ههنا إلى علمه وإنما ينظر إليه إذا كان مصدرا صرفا وأظهر منه كما في الكشف أن الإختصاص يجمع القيام والوقوع وهو معنى الإضافة ولم يبق النظر إلى العمل بعدها لا لفظا ولا معنى وكنا للحكم الواقع بينهم شاهدين والجملة اعتراض مقرر للحكم وقد يقال : إنه مادح له كأنه قيل : وكنا مراقبين لحكمهم لا نقرهم على خلل فيه وهذا على طريقة قوله تعالى : فإنك بأعيننا في إفادة العناية والحفظ وقوله تعالى : ففهمناها سليمان عطف على يحكمان فإنه في حكم الماضي كما مضى .
وقرأ عكرمة فافهمناها بهمزة التعدية والضمير للحكومة أو الفتيا المفهومة من السياق روي أنه كانت امرأة عابدة من بني إسرائيل وكانت قد تبتلت وكان لها جاريتان جميلتان فقالت أحدهما للأخرى : قد طال علينا البلاء أما هذه فلا تريد الرجال ولا نزال بشر ما كنا لها فلو أنا فضحناها فرجمت فصرنا إلى الرجال فأخذا ماء البيض فأتياها وهي ساجدة فكشفتا عنها ثوبها ونضحتاه في دبرها وصرختا أنها قد بغت وكان من زنى فيهم حده الرجم فرفعت إلى داود وماء البيض في ثيابيها فأراد رجمها فقال سليمان : ائتوا بنار فإنه إن كان ماء الرجل تفرق وإن كان ماء البيض اجتمع فأتي بنار فوضعها عليه فاجتمع فدرأ عنها الرجم فعطف عليه داود عليه السلام فأحبه جدا فاتفق أن دخل على داود عليه السلام رجلان فقال أحدهما : إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلا فأفسدته فقضى له بالغنم فخرجا فمرا على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم فقال : كيف قضى بينكما أبي فأخبراه فقال : غير هذا أرفق بالجانبين فسمعه داود عليه السلام فدعاه فقال له : بحق النبوة والأبوة إلا أخبرتني بالذي هو أرفق فقال : أرى أن تدفع الغنم إلى صاحب الأرض لينتع بدرها ونسلها وصوفها والحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان ثم يترادا فقال : القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك عمره إذ ذاك إحدى عشرة سنة ومال كثير إلى أن حكمهما عليهما السلام كان بالإجتهاد وهو جائز على الأنبياء عليهم السلام كما صرح في الأصل وبذلك أقول فإن قول سليمان عليه السلام غير هذا أرفق ثم قوله : أرى أن تدفع الخ صريح في أنه ليس بطريق الوحي وإلا لبت القول بذلك ولما ناشده داود عليهما السلام لإظهار ما عنده بل وجب عليه أن يظهره بداء وحرم عليه كتمه مع أن الظاهر أنه عليه السلام لم يكن نبيا في ذلك السن ومن ضرورته أن يكون القضاء السابق أيضا كذلك ضرورة استحالة نقض حكم النص بالإجتهاد وفي الكشف أن القول بأن كلام الحكمين عن إجتهاد باطل لأن حكم سلميان نقض حكم داود عليهم السلام والإجتهاد