بإقامة البرهان على ما ادعاه وجعله الطيبي إضرابا عن ذلك أيضا قال : وهذا الجواب وارد على الأسلوب الحكيم وكان من الظاهر أن يجيبهم عليه السلام بقوله بل أنا من المحقين ولست من اللاعبين فجاء بقوله بل ربكم الآية لينبه به على أن أبطالي لما أنتم عاكفون عليه وتضليلي إياكم مما لا حاجة فيه لوضوحه إلى الدليل ولكن انظروا إلى هذه العظيمة وهي أنكم تتركون عبادة خالقكم ومالك أمركم ورازقكم ومالك العالمين والذي فطر ما أنتم لها عاكفون وتشتغلون بعبادتها دونه فأي باطل أظهر من ذلك وأي ضلال أبين منه .
وقوله وأنا على ذلكم من الشاهدين تذييل للجواب بما هو مقابل أم أنت من اللاعبين من حيث الأسلوب وهو الكناية ومن حيث التركيب وهو بناء الخبر على الضمير كأنه قال : لست من اللاعبين في الدعاوي بل من العالمين فيها بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة كالشاهد الذي نقطع به الدعاوي أه ولا يخفى أنه يمكن إجراء هذا على احتمال كون أم متصلة فافهم وتأمل ليظهر لك أي التوجيهات لهذا الإضراب أولى وتالله لأكيدن أصنامكم أي لأجتهدن في كسرها وأصل الكيد الإحتيال في إيجاد ما يضر مع إظهر خلافه وهو يستلزم الإجتهاد فتجوز عنه وفيه إيذان بصعوبة الإنتهاز وتوقفه على استعمال الجيل ليحتاطوا في الحفظ فيكون الظفر بالمطلوب أتم في التبكيت وكان هذا منه عليه السلام عزما على الإرشاد إلى ضلالهم بنوع آخر ولا يأباه ما روي عن قتادة أنه قال : نرى أنه عليه السلام قال ذلك من حيث لا يسمعون وقيل سمعه رجل واحد منهم وقيل قوم من ضعفتهم ممن كان يسير في آخر الناس يوم خرجوا إلى العيد وكانت الأصنام سبعين : وقيل اثنين وسبعين .
وقرأ معاذ بن جبل وأحمد بن حنبل بالله بالباء ثانية الحروف وهي أصل حروف القسم إذ تدخل على الظاهر والمضمر ويصرح بفعل القسم معها ويحذف والتاء بدل من الواو كما في تجاه والواو قائمة مقام الباء للمناسبة بينهما من حيث كونهما شفويتين ومن حيث أن الواو تفيد معنى قريبا من معنى الإلصاق على ما ذكره كثير من النحاة .
وتعقبه في البحر بأنه لا يقدم على ذلك دليل وقد رده السهيلي والذي يقتضيه النظر إنه ليس شيء من هذه الأحرف أصلا لآخر وفرق بعضهم بين الباء والتاء بأن في التاء المثناة زيادة معنى وهو التعجب وكان التعجب هنا من إقدامه عليه السلام على أمر فيه مخاطرة ونصوص النحاة أن التاء يجوز أن يكون معها تعجب ويجوز أن لا يكون واللام هي التي يلزمها التعجب في القسم وفرق آخرون بينهما استعمالا بأن التاء لا تستعمل إلا مع اسم الله الجليل أو مع رب مضافا إلى الكعبة على قلة بعد أن تولوا مدبرين .
57 .
- من عبادتها إلى عيدكم وقرأ عيسى بن عمر تولوا من التولي بحذف إحدى التاءين وهي الثانية عند البصريين والأولى عند هشام ويعضد هذه القراءة قوله تعالى فتولوا عنه مدبرين والفاء في قوله تعالى فجعلهم فصيحة أي فولوا فأتي إبراهيم عليه السلام الأصنام فجعلهم جذاذا أي قطعا بمعنى مفعول من الجذ الذي هو القطع قال الشاعر : بنو المهلب جذ الله دابرهم أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف فهو كالحطام من الحطم الذي هو الكسر وقرأ الكسائي وابن محيصن وابن مقسم وأبو حيوة وحميد