في كل عما يحطه عن درجته ولعل فتنة البسط أشد من فتنة القبض فليتحفظ هناك أشد تحفظ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قال بعض الصوفية : الموازين متعددة فللعاشقين ميزان وللوالهين ميزان وللعاملين ميزان وهكذا ومن ذلك ميزان للعارفين توزن به أنفاسهم ولا يزن نفسا منها السماوات والأرض .
وذكروا أن في الدنيا موازين أيضا وأعظم موازينها الشريعة وكفتاه الكتاب والسنة ولعمري لقد عطل هذا الميزان متصوفة هذا الزمان أعاذنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلال أنه D المتفضل بأنواع الأفضال .
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين .
48 .
- نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم إلى قوله سبحانه وأهلكنا المسرفين وإشارة إلى كيفية إنجائهم وإهلاك أعدائهم وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الإعتناء بمضمونه والمراد بالفرقان التوراة وكذا بالضياء والذكر والعطف كما في قوله : إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم ونقل الطيبي أنه أدخل الواو على ضياء وإن كان صفة في المعنى دون اللفظ كما يدخل على الصفة التي هي صفة لفظا كقوله تعالى إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض وقال سيبويه : إذا قلت مررت بزيد وصاحبك جاز وإذا قلت ومررت بزيد فصاحبك بالفاء لم يجز بالواو لأن الفاء تقتضي التعقب وتأخير الاسم عن المعطوف عليه بخلاف الواو وأما قول القائل : يا لهف زيادبة للحارث الصابح فالغانم فالآيب فأنما ذكر بالفاء وجاد لأنه ليس بصفة على ذلك الحد لأن أل بمعنى الذي أي فالذي صبح فالذي غنم فالذي آب وأبو الحسن يجيز المسئلة بالفاء كما يجيزها بالواو انتهى والمعنى وبالله لقد آتيناهما كتابا جامعا بين كونه فارقا بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية وذكرا يتعظ به الناس ويتذكرون وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم النتفعون به أو ذكر ما يحتاجون به من الشرائع والأحكام أو شرف لهم .
وقيل : الفرقان النصر كما في قوله تعالى : يوم الفرقان وأطلق عليه لفرقه بين الولي والعدو وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس والضياء حينئذ إما التوراة أو الشريعة أو اليد البيضاء والذكر بأحد المعاني المذكورة .
وعن الضحاك أن الفرقان فلق البحر والفرق والفلق أخوان وإلى الأول ذهب مجاهد وقتادة وهو اللائق بمساق النظم الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتب الإلهية لا سيما التوراة فيما ذكر من الصفات ولأن فلق البحر هو الذي اقترحه الكفرة مثله بقولهم : فليأتنا بآية كما أرسل الأولون .
وقرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك ضياء بغير واو على أنه حال من الفرقان وهذه القراءة تؤيد أيضا التفسير الأول وقوله تعالى : الذين يخشون ربهم مجرور المحل على أنه صفة مادحة للمتقين أو بدل أو بيان أو منصوب أو مرفوع على المدح والمراد على تقدير يخشون عذاب ربهم وقوله سبحانه بالغيب حال من المفعول أي يخشون ذلك وهو غائب عنهم غير مرئي لهم ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار مالم يشاهدوا ما أنذروه