تامة أتأتينا بها أي جئتنا بها وبه قرأ أبي والمراد أحضرناها فالباء للتعدية والضمير للمثقال وأنث لاكتساب التأنيث من المضاف إليه والجملة جواب إن الشرطية وجوز أن تكون إن وصلية والجملة مستأنفة وهو خلاف الظاهر وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن جبير وابن أبي إسحاق والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمد وابن شريح الأصبهاني آتينا بمدة على أنه مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه تعالى بالأعمال وأتاهم بالجزاء وقيل هو من الإتيان وأصله أأتينا فأبدلت الهمزة الثابتة ألفا والمراد جازينا أيضا مجازا ولذاعدي بالباء ولو كان المراد أعطينا كما قال بعضهم لتعدي بنفسه كما قال ابن جني وغيره وقرأ حميد أثبنا من الثوابت وكفى بنا حاسبين .
47 .
- قيل أي عادين ومحصين أعمالهم على أنه الحساب مرادا به معناه اللغوي وهو العد وروي ذلك عن السدي وجوز أن يكون كناية عن المجازاة وذكر اللقاني أن لحساب في عرف الشرع توقيف الله تعالى عباده إلا من استثنى منهم قبل الإنصراف من المحشر على أعمالهم خيرا كانت أو شرا تفصيلا لا بالوزن وأنه كما ذكر الواحدي وغيره وجزم به صاحب كنز الأسرار قبل الوزن ولا يخفى أن في الآية إشارة ما إلى أن الحساب المذكور فيها بعد وضع الموازين فتأمل ونصب الوصف إما على أنه تمييز أو على أنه حال واستظهر الأول في البحر .
هذا ومن باب الإشارة في الآيات اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون الخ فيه إشارة إلى سوء حال المحجوبين بحب الدنيا عن الإستعداد للأخرى فغفلوا عن إصلاح أمرهم وأعرضوا عن طاعة ربهم وغدت قلوبهم عن الذكر لاهية وعن التفكر في جلاله وجماله سبحانه ساهية وفي قوله تعالى وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم إشارة إلى سوء حال بعض المنكرين على أولياء الله تعالى فإن نفوسهم الخبيثة الشيطانية تأبى اتباعهم لما يرون من المشاركة في العوارض البشرية وكم قصمنا قبلهم من قرية كانت ظالمة فيه إشارة إلى أن الظلم خراب العمران فمتى ظلم الإنسان خرب قلبه وجر ذلك إلى خرائب بدنه وهلامه بالعذاب وقوله تعالى بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق إشارة إلى أن مداومة الذكر سبب لانجلاء الظلمة عن القلب وتطهره من دنس الأغيار بحيث لا يبقى فيه سواه سبحانه ديار ومن عنده قيل هم الكاملون الذين في الحضرة فإنهم لا يتحركون ولا يسكنون إلا مع الحضور ولا تشق عليهم عبادة ولا تلهيهم عنه تعالى تجارة بواطنهم مع الحق وظواهرهم مع الخلق أنفاسهم تسبيح وتقديس وهو سبحانه لهم خير أنيس وفي قوله تعالى بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون إشارة إلى أن الكامل لا يختار شيئا بل شأنه التفويض والجريان تحت مجاري الأقدام مع طيب النفس ومن هنا قيل إن القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره وغمرنا بره لم يتوف حتى ترقى عن مقام الأدلال إلى التفويض المحض وقد نص على ذلك الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه الجواهر واليواقيت وجعلنا من الماء كل شيء حي قد تقدم ما فيه من الإشارة كل نفس ذائقة الموت قال الجنيد قدس سره : من كانت حياته بروحه يكون مماته بذهابها ومن كانت حياته بربه تعالى فأنه ينقل من حياة الطبع إلى حياة الأصل وهي الحياة على الحقيقة ونبلوكم بالشر والخير فتنة قيل أي بالقهر واللطف والفراق والوصال والإدبار والإقبال والجهل والعلم إلى غير ذلك ولا يخفى أنه كثيرا ما يمتحن السالك بالقبض والبسط فينبغي له التثبيت