الملائكة عليهم السلام والحور العين فقال بعضهم : إن الكل يموتون ولو لحظة لقول تعالى كل شيء هالك إلا وجهه وقال بعضهم : إنهم لا يموتون لدلالة بعض الأخبار على ذلك والمراد في كل نفس النفوس الأرضية والآية التي استدل بها مؤولة بما ستعمله إن شاء الله تعالى وهم داخلون في المستثنى في قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله أو لا يسلم كل صعق موت وقال بعضهم : إن الملائكة يموتون والحور العين لا تموت وقال آخرون : إن بعض الملائكة عليهم السلام يموتون وبعضهم لا يموت كجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل عليهم السلام ورجح قول البعض ولا يرد أن الموت يقتضي مفارقة الروح البدن والملائكة عليهم السلام لا أبدان لهم لأن القائل بموتهم يقول بأن لهم أبدانا لكنها لطيفة كما هو الحق الذي دلت عليه النصوص وربما يمنع اقتضاء الموت البدن .
وبالغ بعضهم فادعى أن النفوس أنفسها تموت بعد مفارقتها للبدن وإن لم تكن بعد المفارقة ذات بدن و : انه يلتزم تفسير الموت بالعدم والإضمحلال والحق أنها لا تموت سواء فسر بما ذكر أم لا وقد أشار أحمد بن الحسين الكندي إلى هذا الإختلاف بقوله : تنازع الناس حتى لا اتفاق لهم إلا على شجب والخلف في شجب فقيل تخلص نفس المرء سالمة وقيل تشرك جسم المرء في العطب وذهب الإمام إلى العموم في الآية إلا أنه قال : هو مخصوص فإن له تعالى نفسا كما قال سبحانه حكاية عن عيسى عليه السلام تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك مع أن الموت مستحيل عليه سبحانه وكذا الجمادات لها نفوس وهي لا تموت ثم قال : والعام المخصوص حجة فيبقى معمولا به على ظاهره فيما عدا ما أخرج منه وذلك يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية أنها لا تموت أه وفيه أنه إن أراد بالنفس الجوهر المتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصريف كما قاله الفلاسفة ومن وافقهم أو الجسم النوراني الخفيف الحي المتحرك النافذ في الأعضاء الساري فيها سريان ماء الورد في الورد كما عليه جمهور المحدثين وذكر له ابن القيم مائة دليل فالله تعالى منزه عن ذلك أصلا .
وكذا الجمادات لا تتصف بها على الشائع وأيضا ليس للأرواح البشرية والعقول المفارقة عند الفلاسفة نفسا بأحد ذينك المعنيين فكيف يبطل بالآية الكريمة قولهم وإن أراد بها الذات كما هو أحد معانيها جاز أن تثبت لله تعالى وقد قيل به في الآية التي ذكرها وكذا هي ثابتة للجمادات لكن يرد عليه أنه إن أراد بالموت مفارقة الروح للبدن أو نحو ذلك يبطل قوله وذلك يبطل الخ لأن الأرواح والعقول المذكورة لا أبدان لها عند الفلاسفة فلا يتصور فيها الموت بذلك المعنى وإن أراد به العدم والإضمحلال يرد عليه أن الجمادات تتصف به فلا يصح قوله وهي لا تموت وبالجملة لا يخفى على المتذكر أن الإمام سها في هذا المقام ثم إن معنى كون النفس ذائقة الموت أنها تلابسه على وجه تتألم به أو تلتذ من حيث أنها تخلص به من ضيق الدنيا الدنيئة إلى عالم الملكوت وحظائر القدس كذا قيل .
والظاهر أن كل نفس تتألم بالموت لكن ذلك مختلف شدة وضعفا وفي الحديث إن للموت سكرات ولا يلزم من التخلص المذكور لبعض الناس عدم التألم ولعل في اختيار الذوق إيماء إلى ذلك لمن له ذوق