فقل للشاميتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا وذكر العلامة الطيبي ونقله صاحب الكشف بأدنى زيادة أن هذا رجوع إلى ما سيق له السورة الكريمة من حيث النبوة ليتخلص منه إلى تقرير مشرع آخر وذلك لأنه تعالى أفحم القائلين باتخاذ الولد والمتخذين له سبحانه شركاء وبكتهم ذكر ما يدل على إفحامهم وهو قوله تعالى : أفإن الخ لأن الخصم إذا لم يبق له متشبث تمنى هلاك خصمه .
وقوله تعالى كل نفس ذائقة الموت برهان على ما أنكر من خلودهم وفيه تأكيد لقوله سبحانه : وما جعلنا الخ والموت عند الشيخ الأشعري كيفية وجودية تضاد الحياة وعند الأسفرايني وعزي للأكثرين أنه عدم الحياة عما من شأنه الحياة بالفعل فيكون عدم تلك الحياة كما في العمى الطاريء على البصر لا مطلق العمى فلا يلزم كون عدم الحياة عن الجنين عند استعداده للحياة موتا وقيل عدم الحياة عما من شأنه الحياة مطلقا فيلزم ذلك ولا ضير لقوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم واستدل الأشعري على كونه وجوديا بقوله تعالى الذي خلق الموت والحياة فإن الخلق هو الإيجاد والإخراج من العدم وبأنه جائز والجائز لا بدل له من فاعل والعدم لا يفعل وأجيب عن الأول بأنه يجوز أن يكون بمعنى التقدير وهو أعم من الإيجاد ولو سلم كونه بمعنى الإيجاد فيجوز أن يراد بخلق الموت إيجاد أسبابه أو يقدر المضاف وهو غير عزيز في الكلام وعن الأستاذ أن المراد بالموت الآخرة والحياة الدنيا لما روي عن ابن عباس تفسيرهما بذلك وعن الثاني بأن الفاعل قد يريد العدم كما يريد الحياة فالفاعل يعدم الحياة كما يعدم البصر مثلا .
وقال اللقاني : الظاهر قاض بما عليه الأشعري والعدول عن الظاهر من غير داع غير مرضي العدول وكلامه صريح في أنه عرض وتوقف بعض العلماء القائلين بأنه وجودي في أنه جوهرا أو عرض لما أن في بعض الأحاديث أنه معنى خلقه الله تعالى في كف ملك الموت وفي بعضها أن الله تعالى خلقه على صورة كبش لا يمر بشيء يجد ريحه إلا مات وجل عبارات أنه عرض يعقب الحياة أو فساد بنية الحيوان والأول غير مانع والثاني رسم بالثمرة وقريب منه ما قاله بعض الأفاضل : إنه تعطل القوي لإنطفاء الحرارة الغريزية التي هي آلتها فإن كان ذلك لانطفاء الرطوبة الغريزية فهو الموت الطبيعي وإلا فهو الغير الطبيعي والناس لا يعرفون من الموت إلا انقطاع تعلق الروح بالبدن التعلق المخصوص ومفارقتها إياه والمراد بالنفس الحيوانية وهي مطلقا أعم من النفس الإنسانية كما أن الحيوان مطلقا أعم من الإنسان .
والنفوس عند الفلاسفة ومن حذا حذوهم ثلاثة النباتية والحيوانية والفلكية والنفس مقولة على الثلاثة بالإشتراك اللفظي على ما حكاه الإمام في الملخص عن المحققين وبالإشتراك المعنوي على ما يقتضيه كلام الشيخ في الشفاء وتحقيق ذلك في محله وإرادة ما يشمل الجميع هنا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه وقال بعضهم : المراد بها النفس الإنسانية لأن الكلام مسوق لنفي خلود البشر واختير عمومها لتشمل نفوس البشر والجن وسائر أنواع الحيوان ولا يضر ذلك بالسوق بل هو أنفع فيه ولا شك في موت كل من أفراد تلك الأنواع نعم اختلف في أنه هل يصح إرادة عمومها بحيث تشمل نفس كل حي كالملك وغيره أم لا بناء على الإختلاف في موت