ويمكن تخريجه على مشرب صوفي بأن يقال إنه أراد بالماء الوجود الإنبساطي المعبر عنه في اصطلاح الصوفية بالنفس الرحماني وحينئذ لو جعلت الإشارة في الآية إلى ذلك عندهم لم يبعد أفلا يؤمنون .
30 .
- إنكار لعدم إيمانهم بالله تعالى وحده مع ظهور ما يوجبه حتما من الآيات والفاء للعطف على مقدر يستدعيه الإنكار أي أيعلمون ذلك فلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أي جبالا ثوابت جمع راسية من رسا الشيء إذا ثبت ورسخ ووصف جمع المذكر بجمع المؤنث في غير العقلاء مما لا ريب في صحته أن تميد بهم أي كراهة أن تتحرك وتضطرب بهم أو لئلا تميد بهم فحذف اللام لعدم الإلباس وهذا مذهب الكوفيين والأولى أولى وفي الإنتصاف أولى من هذين الوجهين أن يكون مثل قولك أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط على ما قال سيبويه من أن معناه أعددتها أن أدعم الحائط بها إذا مال وقدم ذكر الميد عناية بأمره ولأنه السبب في الإدعام والإدعام سبب إعداد الخشبة فعومل سبب السبب معاملة السبب فكذا فيما نحن فيه يكون الأصل وجعلنا في الأرض رواسي أن نثبتها إذا مادت بهم فجعل الميد هو السبب كما جعل الميل في المثال سببا وصار الكلام وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم فنثبتها ثم حذف فنثبتها لأمن الإلباس إيجازا وهذا أقرب إلى الواقع مما ذكر أولا فإن مقتضاه أن لا تميد الأرض بأهلها لأن الله تعالى كره ذلك ومحال أن يقع ما يكرهه سبحانه والمشاهدة بخلافه فكم من زلزلة أمادت الأرض حتى كادت تنقلب وعلى ما ذكرنا يكون المراد أن الله تعالى يثبت الأرض بالجبال إذا مادت وهذا لا يأبى وقوع الميد لكنه ميد يستعقبه التثبيت وكذلك الواقع من الزلزال إنما هو كاللمحة ثم يثبتها الله تعالى انتهى .
وفي الكشف أن قولهم كراهة أن تميد بيان للمعنى لا أن هناك إضمار البتة ولهذا كان مذهب الكوفيين خليقا بالرد وما في الإنتصاف من أن الأولى أن يكون من باب أعددت الخشبة أن يميل الحائط على ما قرن راجع إلى ما ذكرناه ولا مخالف له أما ما ذكره من الرد بمخالفة الواقع المشاهد فليس بالوجه لأن ميدودة الأرض غير كائنة البتة وليست هذه الزلازل منها في شيء انتهى وهو كلام رصين كما لا يخفى وقد طعن بعض الكفرة المعاصرين فيما دلت عليه الآية الكريمة بأن الأرض لطلبها المركز طبعا ساكنة لا يتصور فيما الميد ولو لم يكن فيها الجبال وأجيب أولا بعد الإغماض عما في دعوى طلبها المركز طبعا وسكونها عنده من القيل والقال يجوز أن يكون الله تعالى قد خلق الأرض يوم خلقها عرية عن الجبال مختلفة الأجزاء ثقلا وخفة اختلافا تاما أو عرض لها الإختلاف المذكور ومع هذا لم يجعل سبحانه لمجموعها من الثقل ما لا يظهر بالنسبة إليه ثقل ما علم جل وعلا أنه يتحرك عليها من الأجسام الثقيلة فيكون لها مركزان متغايران مركز حجم ومركز ثقل وهي إنما تطلب بطبعها عندهم أن ينطبق مركز ثقلها على مركز العالم وذلك وإن اقتضى سكونها إلا أنه يلزم أن تتحرك بتحرك هاتيك الأجسام فخلق جل جلاله الجبال فيها ليحصل لها من الثقل ما لا يظهر معه ثقل المتحرك فلا تتحرك أصلا وكون نسبة ارتفاع أعظم الجبال إلى قطرها كنسبة سبع عرض شعيرة إلى ذراع إنما ينفع في أمر الكرية الحسية وأما أنه يلزم منه أن لا يكون لمجموع الجبال ثقل متعد به بالنسبة إلى ثقل الأرض فلا .
ثم ليس خلق الجبال لهذه الحكمة فقط بل لحكم لا تحصى ومنافع لا تستقصى فلا يقال أنه يغنى عن الجبال