فقال : نعم كانت السماوات رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت فلما خلق الله تعالى للأرض أهلا فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره فقال ابن عمر : الآن علمت أن ابن عباس قد أوتى في القرآن علما صدق ابن عباس هكذا كانت وروي عنه ما هو بمعنى ذلك جماعة منهم الحاكم وصححه وإليه ذهب أكثر المفسرين .
وقال ابن عطية : وهو قول حسن يجمع العبرة والحجة وتعديد النعمة ويناسب ما يذكر بعد والرتق والفتق مجازيان عليه كما هما كذلك على الوجه الأول والمراد بالسماوات جهة العلو أو سماء الدنيا والجميع باعتبار الآفاق أو من باب ثوب أخلاق وقيل هو على ظاهره ولكن من السماوات مدخل في المطر والمراد بالرؤية العلم أيضا وعلم الكفرة بذلك ظاهر .
وجوز أن تكون الرؤية بصرية وجعلها علمية أولى ومن البعيد ما نقل عن بعض علماء الإسلام أن الرتق انطباق منطقتي الحركتين الأولى والثانية الموجب لبطلان العمارات وفصول السنة والفتق افتراقهما المقتضي لامكان العمارة وتميز الفصول بل لا يكاد يصح على الأصول الإسلامية التي أصلها السلف الصالح كما لا يخفى .
وقوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي عطف على أن السماوات الخ ولا حاجة إلى تكلف عطفه على فتقنا والجعل بمعنى الخلق المتعدي لمفعول واحد ومن ابتدائية والماء هو المعروف أي خلقنا من الماء كل حيوان أي متصف بالحياة الحقيقية ونقل ذلك عن الكلبي وجماعة ويؤيده قوله تعالى والله خلق كل دابة من ماء ووجه كون الماء مبدأ ومادة للحيوان وتخصيصه بذلك أنه أعظم مواده وفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه ولا بد من تخصيص العام لأن الملائكة عليهم السلام وكذا الجن أحياء وليسوا مخلوقين من الماء ولا محتاجين إليه على الصحيح .
وقال قتادة : المعنى خلقنا كل نام من الماء فيدخل النبات ويراد بالحياة النمو أو نحوه ولعل من زعم أن النبات حسا وشعورا أبقى الحياة على ظاهرها وقال قطرب وجماعة : المراد بالماء النطفة ولا بد من التخصيص بما سوى الملائكة عليهم السلام والجن أيضا بل بما سوى ذلك والحيوانات المخلوقة من غير نطفة كأكثر الحشرات الأرضية ويجوز أن يكون الجعل بمعنى التصيير المتعدي لمفعولين وهما هنا كل ومن الماء وتقديم المفعول الثاني للإهتمام به ومن اتصالية كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلّم ما أنا دد ولا الدد مني والمعنى صيرنا كل شيء حي متصلا بالماء أي مخالطا له غير منفك عنه والمراد أنه لا يحيا دونه وجوز أبو البقاء على الوجه الأول أن يكون الجار والمجرور في موضع الحال من كل وجعل الطيبي من هذا بيانية تجريدية فيكون قد جرد من الماء الحي مبالغة كأنه هو وقرأ حميد حيا بالنصب على أنه صفة كل أو مفعول ثان لجعل والظرف متعلق بما عنده لا بحيا والشيء مخصوص بالحيوان لأنه الموصوف بالحياة وجوز تعميمه للنبات .
وأنت تعلم أن من الناس من يقول : إن كل شيء من العلويات والسفليات حي حياة لائقة به وهم الذين ذهبوا إلى أن تسبيح الأشياء المفاد بقوله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده قال لا حالي وإذا قيل بذلك فلا بد من تخصيص الشيء أيضا إذ لم يجعل من الماء كل شيء حيا ولم أقف على مخالف في ذلك منا نعم نقل عن ثالس الملطي وهو أول من تفلسف بملطية أن أصل الموجودات الماء حيث قال : الماء قابل كل صورة ومنه أبدعت الجواهر كلها من السماء والأرض انتهى