اللام صلة الإقتراب هذا واستدل بالآية على ثبوت الحساب وذكر البيضاوي في تفسير قوله تعالى إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله أن المعتزلة والخوارج ينكرونه ويعضده ما ذكره الإمام النسفي في بعض مؤلفاته حيث قال : قالت المعتزلة لا ميزان ولا حساب ولا صراط ولا حوض ولا شفاعة وكل موضع ذكر الله تعالى فيه الميزان أو الحساب أراد سبحانه به العدل انتهى لكن المذكور في عامة المعتبرات الكلامية أن أكثرهم بنفي الصراط وجميعهم ينفي الميزان ولم يتعرض فيها لنفيهم الحساب والحق أن الحساب بمعنى المجازاة مما لا ينكره إلا المشر كون وهم في غفلة أي في غفلة عظيمة وجهالة فخيمة عنه وقيل الأولى التعميم أي في غفلة تامة وجهالة عامة من توحيده تعالى والإيمان بكتبه ورسله عليهم السلام ووقوع الحساب ووجود الثواب والعقاب وسائر ما جاء به النبي عليه الصلاة والتسليم وذكر غفلتهم عن ذلك عقيب بيان اقتراب الحساب لا يقتضي قصر الغفلة عليه فإن وقوع تأسفهم وندامتهم وظهور أثر جهلهم وحماقتهم لما كان مما يقع في يوم الحساب كان سببا للتعقيب المذكور انتهى وقد يقال : إن ظاهر التعقيب يقتضي ذلك ومن غفل عن مجازاة الله تعالى له المراد من الحساب صدر منه كل ضلالة وركب متن كل جهالة والجار والمجرور متعلق بمحذوف واقع خبرا لهم وقوله سبحانه : معرضون .
1 .
- أي عن الآيات والنذر الناطقة بذلك الداعية إلى الإيمان به المنجي من المهالك خبر بعد خبر واجتماع الغفلة والإعراض على ما أشرنا إليه مما لا غبار عليه والإشارة إلى تمكنهم في الغفلة التي هي منشأ الإعراض المستمر جيء بالكلام على ما سمعت والجملة في موضع الحال من الناس وقال الزمخشري : وصفهم بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم لا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسيء ولذا إذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا إلى آخر ما قال .
وحاصله يتضمن دفع التنافي بين الغفلة التي هي عدم التنبه والإعراض الذي يكون من المتنبه بأن الغفلة عن الحساب في أول أمرهم والإعراض بعد قرع عصا الإنذار أو بأن الغفلة عن الحساب والإعراض عن التفكر في عاقبتهم وأمر خاتمتهم وفي الكشف أراد أن حالهم المستمرة الغفلة عن مقتضى الأدلة العقلية ثم إذا عاضدتها الأدلة السمعية وأرشدوا لطريق النظر أعرضوا وفيه بيان فائدة إيراد الأول جملة ظرفية لما في حرف الظرف من الدلالة على التمكن وإيراد الثاني وصفا منتقلا دالا على نوع تجدد ومنه يظهر ضعف الحمل على الظرفية حال من الضمير المستكن في معرضون قدمت عليه انتهى .
ولا يخفى أن القول باقتضاء العقول أنه لا بد من الجزاء لا يتسنى إلا على القبول بالحسن والقبح العقليين والأشاعرة ينكرون ذلك أشد الإنكار وقال بعض الأفاضل : يمكن أن يحمل الإعراض على الإتساع كما في قوله : عطاء فتى تمكن في المعالي وأعرض في المعالي واستطالا وذكر بعض المفسرين في قوله تعالى فلما نجاكم إلى البر أعرضتم فيكون المعنى وهم متسعون في الغفلة مفرطون فيها .
ويمكن أيضا أن يراد بالغفلة معنى الإهمال كما في قوله تعالى وما كنا عن الخلق غافلين فلا تنافي بين الوصفين