إلى المشركين من أول الأمر يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجا من المقترب واعترض بأن هؤلاء المشركين لا يحصل لهم الترويع والإنزعاج لما ستسمع من غفلتهم وإعراضهم وعدم اعتدادهم بالآيات النازلة عليهم فكيف يتأتى تعجيل المساءة وأجيب بأن ذلك لا يقتضي أن لا يزعجهم الإنذار والتذكير ولا يروعهم التخويف والتحذير لجواز أن يختلج في ذهنهم احتمال الصدق ولو مرجوحا فيحصل لهم الخوف والإشقاق .
وأيده بما ذكره بعض المفسرين من أنه لما نزلت اقتربت الساعة قال الكفار فيما بينهم : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فامسكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائن فلما تأخرت قالوا : ما نرى شيئا فنزلت اقترب للناس حسابهم فأشفقوا فانتظروا قربها فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به انتهى .
وقال بعضهم في بيان ذلك : إن الإقتراب منبيء عن التوجه والإقبال نحو شيء فإذا قيل اقترب أشعر أن هناك أمرا مقبلا على شيء طالبا له من غير دلالة على خصوصية المقترب منه فإذا قيل بعد ذلك للناس دل على أن ذلم الأمر طالب لهم مقبل عليهم وهم هاربون منه فأفاد أن المقترب مما يسوؤهم فيحصل لهم الخوف والإضطراب قيل ذكر الحساب بخلاف ما إذا قيل اقترب الحساب للناس فإن كون إقبال الحساب نحوهم لا يفهم على ذلك التقدير إلا بعد ذكر للناس فتحقق فائدة التعجيل في التقديم مما لا شبهة فيه بل فائدة زائدة وهي ذهاب الوهم في تعيين ذلك الأمر الهائل إلى كل مذهب إلى أن يذكر الفاعل ويمكن أيضا أن يقال في وجه تعجيل التهويل : إن جريان عادته الكريمة صلى الله عليه وسلّم على إنذار المشركين وتحذيرهم وبيان ما يزعجهم يدل على أن ما بين اقترابه منهم شيء سيء هائر فإذا قدم الجار يحصل التخويف حيث يعلم من أول الأمر أن الكلام في حق المشركين الجاري عادته الكريمة E على تحذيرهم بخلاف ما إذا قدم الفاعل حيث لا يعلم المقترب منه إلى أن يذكر الجار والمجرور والقرينة المذكورة لا تدل على تعيين المقترب كما تدل على تعيين المقترب إذ من المعلوم من عادته الكريمة A أنه إذا تكلم في شأنهم يتكلم غالبا بما يسوؤهم لا أنه E يتكلم في غالب أحواله بما يسوؤهم وفرق بين العادتين ولا يقدح في تمامية المرام توقف تحقق نكتة التقديم على ضم ضميمة العادة إذ يتم المراد بأن يكون للتقديم مدخل في حصول تلك النكتة بحيث لو فات التقديم لفاتت النكتة وعرفت أن الأمر كذلك وليس في كلام الشيخ قدس سره ما يدل على أن المسارعة المذكورة حاصلة من التقديم وحده كذا قيل ولك أن تقول : التقديم لتعجيل التخويف ولا ينافي ذلك عدم حصوله كما لا ينافي عدم حصول التخويف كون إنزال الآيات للتخويف فافهم وجوز الزمخشري كون اللام تأكيدا لإضافة الحساب إليهم قال في الكهف : فالأصل اقترب حساب الناس لأن المقترب منه معلوم ثم اقترب للناس الحساب على أنه ظرف مستقر مقدم لا أنه يحتاج إلى مضاف مقدر حذف لأن المتأخر مفسر أي اقترب الحساب للناس الحساب كما زعم الطيبي وفي التقديم والتصريح باللام وتعريف الحساب مبالغات ليست في الأصل ثم اقترب للناس حسابهم فصارت اللام مؤكدة لمعنى الإختصاص الإضافي لا لمجرد التأكيد كما في لا أبا له وما ثني فيه الظرف من نحو فيك زيد راغب فيك انتهى .
وادعى الزمخشري أن هذا الوجه أغرب بناء على أن ما فيه مبالغات ونكتا ليست في الوجه الأول وادعى شيخ الإسلام أنه مع كونه تعسفا تاما بمعزل عما يقتضيه المقام وبحث فيه أيضا أبو حيان وغيره ومن الناس من انتصر له وذب عنه وبالجملة للعلماء في ذلك مناظرة عظمى ومعركة كبرى والأولى بعد كل حساب جعل