نظرا إلى علو شأنه ومزيد فضل الله تعالى عليه وإحسانه وقد شاع حسنات الأبرار سيآت المقربين ومما يدل على استعظام ذلك منه لعلو شأنه عليه السلام ما أخرجه البيهقي في شعب الأيمان عن ابي عبد الله المغربي قال : تفكر إبراهيم في شأن آدم عليهما السلام فقال : يا رب خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك واسجدت له ملائكتك ثم بذنب واحد ملأت افواه الناس من ذكر معصيته فأوحى الله تعالى اليه يا إبراهيم أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة .
وذكر بعضهم أن في استعظام ذلك منه عليه الملام زجرا بليغا لاولاده عن امثاله وعلى العلات لا ينبغي لأحد أن ينسب اليه العصيان اليوم وان يخبر بذلك إلا أن يكون تاليا لما تضمن ذلك أو راويا له عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأما أن يكون مبتدئا من قبل نفسه فلاوقد صرح القاضي أبو بكر بن العربي بعدم جواز نسبة العصيان للآباء الادنين الينا المماثلين لنا فكيف يجوز نسبته للانبياء الأقدام والنبي المقدم الاكرموارتضى ذلك القرطبي وادعى أن ابتداء الأخبار بشئ من صفات الله تعالى المتشابهة كاليد والأصبع والنزول أولى بالمنع وعدم الجواز ثم أن ما وقع كان في الحقيقة بمحض قضاء الله تعالى وقدره وإلا فقد روى عن ابي امامة الباهلي والحسن أن عقله عليه السلام مثل عقل جميع ولده وعداوة ابليس عليه اللعنة له عليه السلام في غاية الظهور وفي ذلك دليل على أنه لا ينفع عقل ولا يغنى شئ في جنب تقدير الله تعالى وقضائه ثم اجتبه ربه أي اصطفاه سبحانه وقربه اليه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشئ جباه لنفسه أي جمعه كقولك : اجتمعته أو من جبى إلى كذا فاجتبيته على العروس فاجتليتها واصل معنى الكلمة الجمع فالمجتبى كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقربه وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الأضافة إلى ضميره عليه السلام مزيد تشريف له عليه السلام فتاب عليه أي رجع عليه بالرحمة وقبل توبته حين تاب وذلك حين قال هو وزوجته : ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وهدى .
122 .
- أي إلى الثبات على التوبة والتمسك بما يرضى المولى سبحانه وتعالى وقيل إلى كيفية التوبة بتعليم الكلمات والواو لمطلق الجمع فلا يضر كون ذلك قبل التوبة عليه وقيل : إلى النبوة والقيام بما تقتضيه وقدم أبو حيان هذا على سائر الاحتمالات التي ذكرها والنيسابوري فسر الاجتباء بالاختيار للرسالة وجعل الآية دليلا على أن ما جرى كان قبل البعثة ولم يصرح سبحانه بنسبة العصيان والغواية إلى حواء بأن يسندهما إلى ضمير التثنية الذي هو عبارة عنها وعن آدم عليه السلام كما اسند الأكل وما بعده إلى ذلك إعراضا عن مزيد النعى على الحرم وان الاهم نظرا إلى مساق القصة التصريح بما أسند إلى آدم عليه السلام ويتضمن ذلك رعاية الفواصل وحيث لم يصرح جل وعلا بعصيانها لم يتعرض لتوفيقها للتوبة وقبولها منها وقال بعضهم : إنه تعالى اكتفى بذكر شأن آدم عليه السلام لما أن حواء تبع له في الحكم ولذا طوى ذكر النساء في اكثر مواقع الكتاب والسنة .
قال استئناف مبني على سؤال نشأ من الأخبار بأنه تعالى عامله كأنه قيل : فماذا امره بعد ذلك فقيل : قال له ولزوجته اهبطا منها جميعا أي انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين وقيل : الخطاب له عليه السلام ولابليس عليه اللعنة فانه دخل الجنة بعد ما قيل له أخرج منها فانك رجيم للوسوسة وخطابهما