لانزال الكل بانزال الجزء والمراد أنه على نمط واحد واضماره من غير سبق ذكره للايذان بنباهة شأنه وكونه مركوزا في العقل حاضرا في الاذهان قرإنا عربيا ليفهمه العرب ويقفوا على ما فيه من النظم المعجز الدال على كونه خارجا عن طوق الادميين نازلا من رب العالمين وصرفنا فيه من الوعيد أي كررنا فيه بعض الوعيد أو بعضا من الوعيد والجملة عطف على جملة انزلناه وجعلها حالا قيدا للانزال خلاف الظاهر جدا .
لعلهم يتقون المفعول محذوف وتقدم الكلام في لعل والمراد لعلهم يتقون الكفر والمعاصي بالفعل او يحدث لهم ذكرا .
113 .
- أي عظة واعتبار مؤديا في الآخرة إلى الأتقاء وكانه لما كانت التقوى هي المطلوبة بالذات منهم أسند فعلها اليهم ولما لم يكن الذكر كذلك غير الاسلوب إلى ما سمعت كذا قيل وقيل : المراد بالتقوى ملكتها وأسندت اليهم لانها ملكة نفسانية تناسب الأسناد لمن قامت به وبالذكر العظة الحاصلة من استماع القرآن المثبطة عن المعاصي ولما كانت امرا يتجدد بسبب استماعه ناسب الأسناد اليه ووصفه بالحدوث المناسب لتجدد الالفاظ المسموعة ولا يخفى بعد تفسير التقوى بملكتها على أن في القلب من التعليل شيئا .
وفي البحر اسند ترجي التقوى اليهم لأن التقوى عبارة عن انتفاء فعل القبيح وذلك استمرار على العدم الأصلي واسند ترجي احداث الذكر للقرآن لأن ذلك أمر حدث بعد أن لم يكن انتهى وهو ماخوذ من كلام الأمام وفي قوله : لأن التقوى إلى آخره على اطلاقه منع ظاهر وفسر بعضهم التقوى بترك المعاصي والذكر بفعل الطاعات فانه يطلق عليه مجاز لما بينهما من السببية والمسببية فكلمة أو على ما قيل للتنويع وفي الكلام اشارة إلى أن مدار الأمر التخلية والتحلية والأمام ذكر في الآية وجهين الأول أن المعنى إنما أنزلنا القرآن ليصيروا محترزين عن فعل ما لا ينبغي أو يحدث لهم ذكرا يدعوهم إلى فعل ما ينبغي فالكلام مثير أيضا إلى التخلية والتحلية إلا أنه ليس فيه ارتكاب المجاز والثاني أن المعنى انزلنا القرأن ليتقوا فان لم يحصل ذلك فلا اقل من أن يحدث لهم ذكرا وشرفا وصيتا حسنا ولا يخفى أن هذا ليس بشئ وقال الطيبي : إن المعنى وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا أي فصيحا ناطقا بالحق ساطعا بيناته لعلهم يحدث لهم التأمل والتفكير في آياته وبيناته الوافية الشافية فيذعنون ويطيعون وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون العذاب ففي الآية لف من غير ترتيب وهي على وزن قوله تعالى لعله يتذكر أو يخشى وعندي كون الآية متضمنة للتخلية والتحلية لا يخلو عن حسن فتأمل .
وقرأ الحسن او يحدث بسكون الثاء وقرأ عبد الله ومجاهد وابو حيوة والحسن في رواية والجحدري وسلام او نحدث بالنون وسكون الثاء وذلك حمل وصل على وقف أو تسكين حرف الأعراب استثقالا لحركته كما قال ابن جنى نحو قول امرئ القيس : اليوم اشرب غير مستحقب اثما من الله ولا واغلى وقول جرير : سيروا بنى العم فالأهوار منر لكم ونهر تيرى ولا يعرفكم العرب فتعالى الله استعظام له تعالى ولما صرف في القرآن من الوعد والوعيد والأوامر والنواهي وغير ذلك وتنزيه لذاته المتعالية أن لا يكون انزال قرآنه الكريم منتهيا إلى غاية الكمالية من تسببه لترك من انزل عليهم المعاصي ولفعلهم الطاعات وفيه تعجيب واستدعاء للاقبال عليه وعلى تعظيمه وفي وصفه تعالى بقوله