هذه المسئلة الأصولية غير جائز وأما تاخيره في المسائل الفروعية فجائز ولذا لم يؤت بالفاء في الأمر بالجواب في قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير الآية وقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو وقوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول وقوله سبحانه يسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير إلى غير ذلك وقال في موضع آخر : إن السؤال المذكور أما عن قدم الجبال أو عن وجوب بقائها وهذه المسئلة من أمهات مسائل اصول الدين فلا جرم أمر صلى الله عليه وسلّم أن يجيبه بالفاء المفيدة للتعقيب كأنه سبحانه قال : يا محمد اجب عن هذا السؤال في الحال من غير تاخير لأن القول بقدمها أو وجوب بقائها كفر ودلالة الجواب على نفي ذلك من جهة أن النسف ممكن لأنه ممكن في كل جزء من اجزاء الجبل والحس يدل عليه فوجب أن يكون ممكنا في حق كل الجبل فليس بقديم ولا واجب الوجود لأن القديم لا يجوز عليه التغير والنسف انتهى .
واعترض بأن عدم جواز التغير والنسف إنما يسلم في حق القديم بالذات ولم يذهب أحد من السائلين إلى كون الجبال قديمة كذلك وأما القديم بالزمان فلا يمتنع عليه لذاته ذلك بل إذا امتنع فانما يمتنع لأمر آخر على أن في ظون الجبال قديمة بالزمان عند السائلين وكذا غيرهم من الفلاسفة نظرا بل الظاهر أن الفلاسفة قائلون بحدوثها الزماني وإن لم يعلموا مبدأ معينا لحدوثها فتامل ثم أنه ذكر رحمة الله تعالى أن السؤال والجواب قد ذكرا في عدة مواضع من كتاب الله تعالى منها فروعية ومنها اصولية والأصولية في اربعة مواضع في هذه الآية وقوله تعالى : يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس وقوله سبحانه : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وقوله D يسألونك عن الساعة أيان مرساها ولايخفى أن عد جميع ماذكر من الأصولية غير ظاهر وعلى تقدير ظهور ذلك في الجميع يرد السؤال عن سر اقتران الأمر بالجواب بالفاء في بعضها دون بعض .
وكون مااقترن بالفاء هو الأهم في حيز المنع فان الأمر بالجواب عن السؤال عن الروح إن كان عن القدم ونحوه فمهم كالأمر بالجواب فيما نحن فيه بل لعله اهم منه لتحقق القائل بالقدم الزماني للروح بناء على انها النفس الناطقة كافلاطون واتباعه وقد يقال : لما كان الجواب هنا لدفع السؤال عن الكلام السابق اعني قوله تعالى : يتخافتون بينهم كأنه قيل كيف يصح تخافت المجرمين المقتضي لاجتماعهم والجبال في البين مانعة عن ذلك فمتى قلتم بصحته فبينوا كيف يفعل الله تعالى بها فأجيب بأن الجبال تنسف في ذلك الوقت فلا يبقى مانع عن الأجتماع والتخافت وقرن الأمر بالفاء للمسارعة إلى الذب عن الدعوة السابقة والآيات التى لم يقرن الأمر فيها بالفاء لم تسق هذا المساق كما لايخفى على ارباب الاذواق وقال النسفي وغيره الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا سألوك عن الجبال فقل وهو مبني على أنه لم يقع السؤال عن ذلك كما وقع في قصة الروح وغيرها فلذا لم يؤت بالفاء ثمة وأتى به هنا فيسألونك متمحض للاستقبال واستبعد ذلك أبو حيان وما أخرجه ابن منذر عن ابن جريج من أن قريشا قالوا : يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة فنزلت ويسألونك عن الجبال الآية يدل على خلافه وقال الخفاجي : الظاهر أنه لما قرن بها هنا ولم يقرن بها ثمة للاشارة إلى أن الجواب معلم له A قبل ذلك فأمر E بالمبادرة اليه بخلاف ذلك انتهى .
وانت تعلم أن القول بأن الجواب عن سؤال الروح وعن سؤال المحيض ونحو ذلك لم يكن معلوما له A قبل لم يتجاسر عليه أحد من عوام الناس فضلا عن خواصهم فما ذكره مما لاينبغي أن يلتفت اليه