وصار بين الناس اوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم ومن الوحشي النافر في البيداء وذكر أنه لزم البرية وهجر البرية وذكر الطبرسي عن ابن عباس أن المراد أن لك ولولدك أن تقول الخ وخص عرو الحمى بما إذا كان الماس اجنبيا وذكر أن بقايا ولده باق فيهم تلك الحال إلى اليوم وقيل : ابتلى بالوسواس حين قال له موسى عليه السلام ذلك وعليه حمل قول الشاعر : فاصبح ذلك كالسامري إذ قال موسى له لا مساسا وأنكر الجبائي ما تقدم من حديث عروالحمى عند المس وقال : إنه خاف وهرب وجعل يهيم في البرية لا يجد احدا من الناس يمسه حتى صار لبعده عن الناس كالقائل لا مساس وصحح الأول والمساس مصدر ماس كقتال مصدر قاتل وهو منفي بلا التي لنفي الجنس واريد بالنفي النهي أي لا تمسني ولا امسك وقرأ الحسن وابو حيوة وابن ابي عبلة وقعنب لا مساس بفتح الميم وكسر السين آخره وهو بوزن فجار ونحوه قولهم في الضباء أن وردة الماء فلا عباب وان فقدته فلا اباب وهي كما قال الزمخشري وابن عطية اعلام للمسة والعبة والابة وهي المرة من الأب أي الطلبى ومن هذا قول الشاعر : تميم كرهط السامري وقوله إلا لا يريد السامري مساس ولا على هذا ليست النافية للجنس لأنها مختصة بالنكرات وهذا معرفة من أعلام الأجناس ولا داخل معنى عليه فان المعنى لا يكون اولا يكن منك مسلما وهذا أولى من أن يكون المعنى لا اقول مساس .
وظاهر كلام ابن جني أنه اسم فعل كنزال والمراد نفي الفعل أي لا امسك والسر في عقوبته على جنايته بما ذكر على ما قيل : إنه ضد ما قصده من اظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعززوه فكان سببا لبعدهم عنه وتحقيره وصار لديهم أبغض من الطلياء وأهون من معبأة .
وقيل : لعل السر في ذلك ما بينهما من مناسبة التضاد فانه لما أنشأ الفتنه بما كانت ملابسته سببا لحياة الموات عوقب بما يضاده حيث جعلت ملابسته سببا للحمى التي هي من اسباب موت الأحياء وقيل : عوقب بذلك ليكون الجزاء من جنس العمل حيث نبذ فنبذ فان ذلك التحامى اشبه شيئا بالنبذ وكانت هذه العقوبة على ما في البحر باجتهاد من موسى عليه السلام وحكى فيه القول بأنه اراد قتله فمنعه الله تعالى عن ذلك لأنه كان سخيا وروى ذلك عن الصادق رضى الله تعالى عنه وعن بعض الشيوخ أنه قد وقع ما يقرب من ذلك في شرعنا في قضية الثلاثة الذين خلفوا فقد أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن لا يكلموا ولا يخالطوا وان يعتزلوا نساءهم حتى تاب الله تعالى عليهم ومذهب الأمام ابي حنيفة رضى الله تعالى عنه في القاتل اللاجئ إلى الحرم نحو ذلك ليضطر إلى الخروج فيقتل في الحل وإن لك موعدا أي في الآخرة لن تخلفه أي لن يخلفك الله تعالى ذلك الوعد بل ينجزه لك البتة بعد ما عاقبك في الدنيا .
وقرأ ابن كثير وابو عمرو والأعمش بضم التاء وكسر اللام على البناء للفاعل على أنه من اخلفت الموعد إذا وجدته خلفا كاجبنته إذا وجدته جبانا وعلى ذلك قول الأعشى : اثوى وقصر ليله ليزودا فمضى واخلف من قتيلة موعدا وجوز أن يكون التقدير لن تخلف الواعد إياه فحذف المفعول الأول وذكر الثاني لأنه المقصود والمعنى