رضى الله تعالى عنهما وكان موسى عليه السلام رأى أن مفارقة هرون لهم وخروجه من بينهم بعد تلك النصائح القولية ازجر لهم من الاقتصار على النصائح لما أن ذلك أدل على الغضب وأشد في الأنكار لا سيما وقد كان عليه السلام رئيسا عليهم محبوبا لديهم وموسى يعلم ذلك ومفارقة الرئيس المحبوب كراهة لأمر تشق جدا على النفوس وتستدعى ترك ذلك الأمر المكروه له الذي يوجب مفارقته وهذا ظاهر لا غبار عليه عند من انصف .
فالقول بأن نصائح هرون عليه السلام حيث لم تزجرهم عما كانوا عليه فلأن لا تزجرهم مفارقته إياهم عنه أولى على ما فيه لا يرد على ما ذكرنا ولا حاجة إلى الاعتذار بانهم إذا عملوا أنه يلحقه ويخبره عليهما السلام بالقصة يخافون رجوع موسى عليه السلام فينزجرون عن ذلك ليقال : إنه بمعزل عن القبول كيف لا وهم قد صرحوا بانهم عاكفون عليه إلى حين رجوعه عليه السلام وقال علي بن عيسى : إن لا ليست مزيدة والمعنى ما حملك على عدم الأتباع فان المنع عن الشئ مستلزم للحمل على مقابله افعصيت امرى .
93 .
- بسياستهم حسب ما ينبغي فان قوله عليه السلام اخلفنى في قومى بدون ضم قوله واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين متضمن للأمر بذلك حتما فان الخلافة لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخلف لو كان حاضرا وموسى عليه السلام لو كان حاضرا لساسهم على ابلغ وجه والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي الم تتبعني أو اخالفتني فعصيت امرى قال يا بنؤم خص الأم بالأضافة استعطافا وترقيقا لقلبه لا لما قيل من أنه كان أخاه لأمه فان الجهور على أنهما كانا شقيقين .
وقرأ حمزة والكسائي يا بن أم بكسر الميم لا تاخذ بلحيتى ولا راسى أي بشعر رأسى فان الأخذ أنسب به وزعم بعضهم أن قوله بلحيتي على معنى بشعر لحيتي أيضا لأن أصل وضع اللحية للعضو النابت عليه الشعر ولا يناسبه الأخذ كثير مناسبة وأنت تعلم أن المشهور استعمال اللحية في الشعر النابت على العضو المخصوص وظاهر الآيات والأخبار أنه عليه السلام اخذ بذلك روى أنه اخذ شعر رأسه بيمينه وليحيته بشماله وكان عليه السلام حديدا متصلبا غضوبا لله تعالى وقد شاهد ما شاهد وغلب على ظنه تقصير في هرون عليه السلام يستحق به وإن لم يخرجه عن دائرة العصمه الثابته للانبياء عليهم السلام التاديب ففعل به ما فعل وباشر ذلك بنفسه ولا محذور فيه اصلا ولا مخالفه للشرع فلا يرد ما توهمه الأمام فقال : لا يخلو الغضب من أن يزيل عقله اولا والأول لا يعتقده مسلم والثاني لا يزيل السؤال بلزوم عدم العصمه واجاب بما لا طائل تحته .
وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي بلحيتي بفتح اللام وهي لغة أهل الحجاز إنى غشيت الخ استئناف لتعليل موجب النهى بتحقيق أنه غير عاص امره ولا مقصر في المصلحة أي خشيت لو قاتلت بعضهم ببعض وتفانوا وتفرقوا أو خشيت لو لحقتك بمن آمن ان تقول فرقت بين بنى اسرائيل برايك مع كونه ابناء واحد كما ينبئ عن ذلك ذكرهم بهذا العنوان دون القوم ونحوه واستلزام المقاتلة التفريق ظاهر وكذا اللحوق بموسى عليه السلام مع من آمن وربما يجر ذلك إلى المقاتلة وقيل : أراد عليه السلام بالتفريق على التفسير الأول مع يستتبعه القتال من التفريق الذي لا يرجى بعده الأجتماع .
ولم ترقب أي ولم تراع قولى .
94 .
- والجملة عطف على فرقت أي خشيت أن تقول مجموع جملتين