السلام للطور لم يتقدمه إلا العتاب والأعتذار وفي الآثار ما يدل على أن وقوع ما ذكر كان بعد عشرين ليلة من ذهابه عليه السلام لجانب الطور وقيل : بعد ست وثلاثين يوما وحينئذ يكون التعبير عن ذلك بصيغة الماضي لاعتبار تحققه في علم الله تعالى ومشيئته أو لأنه قريب الوقوع مترقبه أو لأن السامرى كان قد عزم على ايقاع الفتنة عند ذهاب موسى عليه السلام وتصدى لترتيب مباديها وتمهيد مبانيها فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع والسامرى عند الأكثر كما قال الزجاج : كان عظيما من عظماء بني اسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة وهم إلى هذه الغاية في الشام يعرفون بالسامريين وقيل : هو ابن خالة موسى عليه السلام وقيل : ابن عمه وقيل : كان علجا من كرمان وقيل : كان من أهل باجرما قرية قريبق من مصر أو قريبة من قرى موصل وقيل : كان من القبط وخرج مع موسى عليه السلام مظهرا الأيمان وكان جاره .
وقيل : كان من عباد البقر وقع في مصر فدخل في بني إسرائيل بظاهره وفي قلبه عبادة البقر واسمه قيل موسى بن ظفر وقيل : منجا والأول اشهر وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أن امه حين خافت أن يذبح خلفته في غار واطبقت عليه فكان جبريل عليه السلام يأتيه فيغذوه باصابعه في واحدة لبنا وفي الاخرى عسلا وفي الاخرى سمنا ولم يزل يغذوه حتى نشأ وعلى ذلك قول من قال : إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت عقول مربيه وخاب المؤمل فموسى الذي رباه جبريل كافر وموسى الذي رباه فرعون مرسل وبالجملة كان عند الجمهور منافقا يظهر الأيمان ويبطن الكفر وقرأ معاذ اضلهم على أنه افعل تفضيل أي اشدهم ضلالا لأنه ضال ومضل فرجع موسى إلى قومه عند رجوعه المعهود أي بعد ما استوفى الاربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة واخذ التوراة لا عقيب الأخبار المذكور فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله تعالى : غضبان اسفا لا باعتبار نفسه وان كانت داخلة عليه حقيقة فان كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الأخبار المذكور كما إذا قلت : شايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة فرجعوا سالمين فاناحد لا يرتاب في أن المراد رجوعهم المعتاد لا رجوعهم اثر الدعاء وان سببية الدعاء باعتبار وصف السلامة لا باعتبار نفس الرجوع كذا في ارشاد العقل السليم وهو مما لا ينتطح فيه كبشان والاسف الحزين كما روى عن ابن عباس وكان حزنه عليه السلام من حيث أن ما وقع فيه قومه مما يترتب عليه العقوبة ولا يدله بدفعها .
وقال غير واحد : هو شديد الغضب وقال الجبائي متلهفا على ما فاته متحيرا في أمر قومه يخشى أن لا يمكنه تداركه وهذا معنى للاسف غير مشهور قال استئناف بياني كأنه قيل : فماذا فعل بهم لما رجع اليهم فقيل قال : يا قوم الم يعدكم ربكم الهمزة لانكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على ابلغ وجه واكده أي وعدكم وعدا حسنا لا سبيل لكم إلى انكاره والمراد بذلك اعطاء التوراة التي فيها هدى ونور وقيل : هو ما وعدهم سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الايمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته